أنشأت فرنسا منظمة للدول الناطقة بالفرنسية العام 1970، وهي منظمة اقتصادية وثقافية انظمت إليها أيضا بعض الدول الأخرى لأجل المصالح المشتركة، فاق عددها الثمانون دولة، وغالبيتها كانت تحت الاحتلال الفرنسي، وندرك بأن الدول الاستعمارية الأوروبية ومنها فرنسا استغلت خيرات الدول الفقيرة كما أنها استخدمت رعايا هذه الدول في أعمال شق الأنفاق وإقامة الجسور وبناء المدن الحديثة على أكتاف الأفارقة بأثمان بخسة، سمح لهم بالبقاء بها ويسكنون في أحياء جد متخلفة.
فرنسا تقوم باستيراد المواد الأولية بأثمان رخيصة من مستعمراتها السابقة وبالأخص اليورانيوم الذي يستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية، ولم تقم الدول الاستعمارية بالاستثمار في محمياتها السابقة لكي ينتعش اقتصادها، ما جعل الحياة بها جد صعبة إن لم نقل مستحيلة، ما أجبر السكان على الهجرة طلبا لحياة أفضل، نحو أوروبا، التي وضعت حدا لدخول الأفارقة إلى أراضيها حيث يتم استخدامهم في الأعمال البدائية جني المحاصيل الزراعية وأعمال النظافة التي لا يرتضيها السكان الأصليون للقارة العجوز، وعقد اتفاقيات مع دول جنوب البحر المتوسط (العبور) ومحاولة توطينهم بها مقابل مبالغ بسيطة، لتظهر للعيان وكأنها مشكلة إفريقية بحتة ومن ثم خلق توتر سياسي واجتماعي بين البلدان المصدرة للعمالة والعابرين لها.
انقلاب النيجر الأخير أحدث ضجة إعلامية واعتبر أنه مخالف للديمقراطية وتعد على السلطة المنتخبة شعبيا، متجاهلين حالة البؤس التي يعيشها السكان وإن من تم انتخاباهم إنما هم دمى تحركها فرنسا للاستفادة من خيرات البلد.
حتما ستوجه أصابع الاتهام بشأن ما يجري في النيجر وقبلها بوركينا فاسو ومالي إلى روسيا والصين اللتان أخدتا تُقيمان مشاريع استثمارية في عديد البلدان الإفريقية لتعود بالنفع على الجميع، ولا ننسى الدور الإيجابي الذي قامت به روسيا السوفييتية أثناء الحقبة الاستعمارية في شد أزر الحركات التحررية من ربقة المستعمر الغربي من خلال تزويدها بالسلاح وتدريب منتسبي تلك الفصائل لآجل طرد المستعمر ونيل استقلالها، إلا أنه وللأسف اتضح أنه استقلال شكلي ليس إلا، فالذين جاؤوا إلى السلطة إما أن يكونوا عملاءا له، أو أن الدول الاستعمارية ناصبت الخيرين من أبناء الوطن العداء وأسقطتهم لتستمر في نهب الخيرات.
إعلان كل من بوركينا فاسو ومالي مباركتهم للانقلاب أغضب الدول الاستعمارية كما فرنسا التي لوحت باستخدام القوة ضد من أسمتهم بالمتمردين وإرجاع من كانوا في السلطة إلى سدة الحكم، لكن قرار وقف تصدير اليورانيوم إلى فرنسا من قبل رئيس بوركينا فاسو فرمل التصرفات الصبيانية التي كانت فرنسا تنوي القيام بها ربما إلى حين، ولكن تظل انتفاضة العسكر ووقوف الشعب إلى جانبه خير دليل على الرغبة في الخروج من العباءة الفرنسية ومن ثم تتزعزع ثقة الدول بمنظومة الفرنكوفونية بفرنسا وتسبب في تشتتها، وقد تكون البداية لأن تحذوها بقية دول القارة لأجل الاستقلال الحقيقي والاستفادة من الموارد المتاحة، ولا بأس من التعاون مع روسيا والصين لتحقيق مكاسب أفضل خاصة وإن هاتان الدولتان لم يشهد لهما العالم بأنهما دولتان استعماريتان، بل تنبذان كل أشكال الاحتلال والعبودية.
حقا إن المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله، فهل تتوالى الصفعات على الخد الفرنسي الصفيق وتعرف قدرها جيدا ويكون ذلك عبرة لكل الدول الاستعمارية، ويشجع بقية الدول على الانتفاضة في وجه العملاء.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً