كانت حياة الصِّدِّيق في المجتمع المدنيِّ مليئةً بالدُّروس، والعبر، وتركت لنا نموذجاً حيّاً لفهم الإسلام، وتطبيقه في دنيا الناس، وقد تميَّزت شخصية الصدِّيق بصفاتٍ عظيمةٍ، ومدحه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث كثيرةٍ، وبيَّن فضله، وتقدُّمه على كثيرٍ من الصَّحابة رضي الله عنهم أجمعين.
1ـ موقفه من فنحاص الحبر اليهوديِّ:
ذكر غير واحدٍ من كُتَّاب السِّيَر، والمفسِّرين: أنَّ أبا بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ دخل بيت المدراس ـ وهو مكانٌ يُتلى فيه التوراة ـ على يهود، فوجد منهم ناساً قد اجتمعوا إلى رجلٍ منهم، يقال له: فنحاص، وكان من علمائهم، وأحبارهم، ومعه حبرٌ من أحبارهم، يقال له: أشيع، فقال أبو بكرٍ لفنحاص: ويحك! اتَّق الله، وأسلم، فو الله إنك تعلم: أنَّ محمداً لرسول الله! قد جاءكم بالحقِّ من عنده، تجدونه مكتوباً عندكم في التَّوراة، والإنجيل، فقال فنحاص لأبي بكرٍ: والله يا أبا بكر! ما بنا إلى الله من فقرٍ، وإنَّه إلينا لفقير، وما نتضرَّع إليه كما يتضرَّع إلينا، وإنَّا عنه لأغنياء، وما هو عنّا بغنيٍّ، ولو كان عنّا غنيّاً ما استقرضَنا أموالنا، كما يزعم صاحبُكم، ينهاكم عن الرِّبا، ويعطيانه، ولو كان غنيّاً ما أعطانا الرِّبا! فغضب أبو بكر، فضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً، وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك؛ لضربت رأسك أي عدوَّ الله!
فذهب فنحاص إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: يا محمد! انظر ما صنع بي صاحبك. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي بكرٍ: «ما حملك على ما صنعت؟» فقال أبو بكرٍ: يا رسولَ الله! إنَّ عدوَّ الله قال قولاً عظيماً، إنَّه يزعم أنَّ الله فقيرٌ، وأنَّهم أغنياء، فلمّا قال ذلك غضبت لله ممّا قال، وضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص وقال: ما قلت ذلك، فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص ردّاً عليه، وتصديقاً لأبي بكرٍ: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ *} [آل عمران: 181].
ونزل في أبي بكرٍ الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ وما بلغه في ذلك من الغضب قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ *} [آل عمران: 186].
2ـ حفظ سرِّ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
قال عمر بن الخطّاب: تأجمت حفصة من خنيس بن حذافة، وكان ممَّن شهد بدراً، فلقيت عثمان بن عفان، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال: أنظر، ثمَّ لقيني، فقال: قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا، فلقيت أبا بكرٍ فعرضتها عليه، فصمت، فكنت عليه أوجد منِّي على عثمان، فلبثت ليالي، ثمَّ خطبها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فأنكحتها إيّاه، ثمَّ لقيني أبو بكرٍ، فقال: لعلَّك وجدت عليَّ حين لم أرجع إليك، فقلت: أجل، فقال: إنَّه لم يمنعني أن أرجع إليك إلا أنِّي علمت: أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولو تركها؛ لنكحتها.
3ـ الصِّدِّيق وآية صلاة الجمعة:
قال جابر بن عبد الله: بينما النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخطب يوم الجمعة، وقدمت عيرُ المدينة، فابتدها أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتّى لم يبقَ معه إلا اثنا عشر رجلاً، فنزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ *} [الجمعة: 11] وقال: في الاثني عشر الذين ثبتوا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبو بكرٍ، وعمر.
4ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينفي الخيلاء عن أبي بكر:
قال عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَنْ جرَّ ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة». فقال أبو بكرٍ: إن أحد شِقّيَّ يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: « إنَّك لست تصنع ذلك خُيلاء ».
5ـ الصِّدِّيق وتحرِّيه للحلال:
عن قيس بن أبي حازمٍ قال: كان لأبي بكرٍ غلامٌ، فكان إذا جاء بِغَلَّتِهِ لم يأكل من غلَّته حتى يسأل، فإن كان شيئاً ممّا يحبُّ؛ أكل، وإن كان شيئاً يكره؛ لم يأكل، قال: فنسي ليلةً، فأكل، ولم يسأله، ثمَّ سأله، فأخبره: أنَّه من شيءٍ كرهه، فأدخل يده، فتقيَّأَ حتى لم يترك شيئاً.
فهذا مثالٌ على ورع أبي بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ حيث كان يتحرَّى الحلال في مطعمه، ومشربه، ويتجنَّب الشُّبهات، وهذه الخصلة تدلُّ على بلوغه درجات عُليا في التَّقوى، ولا يَخْفَى أهمية طيب المطعم، والمشرب، والملبس في الدِّين، وعلاقة ذلك بإجابة الدُّعاء، كما في حديث الأشعث الأغبر، وفيه: «يمدُّ يديه إلى السَّماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وملبسه حرامٌ، وغُذِّيَ بالحرام، فأنَّى يُستجابُ لذلك».
6ـ أدخلاني في سلمكما، كما أدخلتماني في حربكما:
دخل أبو بكر الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ على النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فسمع صوت ابنته عائشة عالياً، فلمّا اقترب منها، تناولها؛ ليلطمها، وقال: أراك ترفعين صوتك على رسول الله، فجعل رسول الله يحجزه، وخرج أبو بكرٍ مغضباً، فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعائشة حين خرج أبو بكرٍ: «أرأيت كيف أنقذتك من الرَّجل؟». فمكث أبو بكرٍ أياماً، ثمَّ استأذن على رسول الله فوجدهما قد اصطلحا. فقال لهما: أدخلاني في سلمكما، كما أدخلتماني في حربكما. فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «قد فعلنا».
7ـ أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:
دخل أبو بكر على عائشة ـ رضي الله عنها ـ في أيّام العيد، وعندها جاريتان من جواري الأنصار تغنِّيان، فقال أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ: بمزمور الشيطان في بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معرضاً بوجهه عنهما، مقبلاً بوجهه الكريم إلى الحائط فقال: «يا أبا بكرٍ! إنَّ لكلِّ قومٍ عيداً، وهذا عيدنا».
ففي الحديث بيانٌ: أنَّ هذا لم يكن من عادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه الاجتماع عليه، ولهذا سمَّاه الصديق مزمار الشيطان، والنبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقرَّ الجواري عليه معلِّلاً ذلك بأنه يوم عيد، والصِّغار يرخَّص لهم في اللَّعب في الأعياد، كما جاء في الحديث: «ليعلم المشركون أنَّ في ديننا فسحةً». وكان لعائشة لُعَب تلعب بهنَّ، ويجئن صاحباتها من صغار النِّسوة يلعبن معها، وليس في حديث الجاريتين: أنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنَّما يتعلق بالاستماع لا بمجرَّد السَّماع. ومن هذا نفهم: أنَّه يرخص لمن يصلح له اللَّعب أن يلعب في الأعياد، كالجاريتين الصَّغيرتين من الأنصار اللتين تغنِّيان في العيد في بيت عائشة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
لا احد يتقبل منك شئ … فبالله عليك تترك الصحابة رضوان الله عليهم في حالهم و كذلك عليك بترك مجاهدي ليبيا …. خليك في حزب الخوان المجانيين … ولو عندك دروس في ضحكت الخبث و السرقة و اللعب بعقول الشباب قولنا عليهم