لا شك ان الكثير من المعارضين لاتفاق الصخيرات يحتجون بالدور الدولي في عملية الحوار واصراره على حكومة الوفاق، مما يجعل معارضتهم هذه محل قبول من فئة من الشعب، وقد زاد لقاء تونس بين السيد ابراهيم عميش ممثلا عن البرلمان والسيد عوض عبد الصادق ممثلا عن المؤتمر، ولقاء مالطا بين السيد نوري ابوسهمين والسيد عقيلة صالح من منح هؤلاء المشككين مبررا قويا في تمرير حججهم وتقوية شكوكهم، على رغم تفجر موجة من الانتقادات لإتفاق المبادي بتونس باعتباره “مفاجئ ومنفرد” بل وصل بالمتحدث الرسمي باسم مجلس النواب السيد فرج بوهاشم ان اعتبره “سداجة وقفزا في الهواء” حسب تعبيره، لغرض عرقلة الاتفاق السياسي الذي ترعاه هيئة الامم المتحدة.
ويشير نواب من البرلمان المنتقدين لهذا الاتفاق “المفاجي” الى ان مهمة السيد عميش كانت التوجه الى امريكا للقاء وفد من المؤتمر لتقريب وجهات النظر فيما بينهم والتوصل الى حل نقاط الخلاف العالقة في المسودة الاممية. وقد ادى هذا الامر الى ان دفع اعضاء البرلمان الرافضين لإتفاق المبادي بتونس الدعوة الى التصويت على اتفاق الصخيرات بدل التسويف في هذا الامر.
ويؤكد السيد ابراهيم عميش بنفسه في حوار اجرته معه جريدة الشرق الاوسط ان اعلان المبادئ الذي توصل اليه مع المؤتمر لم يكن بتوجيه من البرلمان او المؤتمر وانما كان نتيجة مبادرات ليبية. وفي حين اشاد المؤتمر باتفاق المبادي في بيان صدر عنه بتاريخ 05/12 وقعه 82 نائب، لم تظهر بيانات رسمية من البرلمان بخصوصه.
وإذا جاز لنا تقييم اتفاق تونس من منظلق الارادة الوطنية، فإن الليبين قد اثقلهم الصبر على المفاوضات، ولا اعتقد على المستوى الشعبي يمكن ان يعول على نتائج سريعة لمخرجات هذه المبادي، وقد تطول المفاوضات وتصل الى طريق مسدود، اذ ان المفاوضات لا تحل في العادة كل الاشكاليات، كما انها من المستحيل ان تلقى القبول التام من المتفاوضين، فكل يريد ان يحقق نجاحات حسب وجهة نظره، هذه النجاحات قد تتعارض مع مطالب خصمه السياسي، كما ان الخطوط الحمراء التي رأيناها من المؤتمر لا تتفق مع رؤية البرلمان، وكذ خطوط البرلمان الحمراء لا تلقى رضاء المؤتمر. وهذه الاشكالية هي التي ادت الى تعطيل حوار الصخيرات، فلم يحدث في تاريخ المفاوضات (او حتى الحوارات) ان يصل التوافق عليها الى 100%، ورغم ان وثيقة الصخيرات حضيت بتوافق يتجاوز 80% منها الا انها لا زالت محل جدل، وحتى ثوانيها الاخيرة كانت هناك مطالب ترد على الوسيط الاممي من قبل البرلمان والمؤتمر باضافة تلك وتعديل تلك، ولو سمح بكل التعديلات والاضافات لخرج علينا الوسيط الاممي بوتيقة من 10 مجلدات لا تلاقي القبول بعد.
وإذا جاز لنا تقييم اتفاق تونس من منطلق الشرعية، فلن نجد ما يمنح هذا اللقاء الشرعية المطلوبة لعدة اسباب.
اولها: ان الوفدان لم يتم تفويضهما من قبل المؤتمر والبرلمان للقيام بهذه المبادرة، لذلك فاتفاق اعلان المبادي لا يتجاوز ان يكون محاولة فردية قد تكون مبادرة حسن نوايا لكنها لا تملك القوة التي تؤهلها لان تقبل، وقد رأينا الزوبعة التي اثارتها في البرلمان وبشكل اقل حدة في المؤتمر ربما من كتلة 42 التي يترأسها السيد ابولقاسم قزيط.
ثانيا: المبادرة مقبولة دوليا كوسيلة لتقليل التوثر الحاد والانفصام في مؤسسات الدولة الليبية، لكن المجتمع الدولي يرفض هذه المبادرة كبديل للحوار الذي رعته هيئة الامم المتحدة، والذي امتد لعام كامل.
ثالثا: في الحالة الليبية، للسلاح صدى وسلطة تفرض نفسها كامر واقع، الا ان من “محاسن الصدف” ان حملة السلاح منقسمين في ولائتهم، لذلك فلن تحظى اي كتلة نيابية في المؤتمر او في البرلمان بالدعم العسكري اللازم لتمرير مطالبها.
رابعا: البرلمان والمؤتمر كجسمين تشريعيين قد فقدا الشرعية، فالمؤتمر قد حل مع اول جلسة للبرلمان في طبرق، والبرلمان قد انتهت ولايته. فكليهما فاقدا للشرعية التي فوضا لها شعبيا، وكليهما فقد الاعتراف الدولي الذي يخولهما الحديث باسم البلاد.
في تقديري ان النقطة الاخيرة مهمة جدا، فالمجتمع الدولي طالب البرلمان والمؤتر بالتصويت على المسودة الاممية أثناء ولاية برناندينو ليون، لكنه لم يمارس ضغوطا كافيه عليهما بهذا الشأن، الا انه على الجانب الاخر صرح بانه لن يعترف بالبرلمان بعد نهاية ولايته، ولن يعترف بقرار التمديد الذي لجاء اليه. على هذا الاساس لن يتعامل المجتمع الدولي “على الاقل رسميا” مع جسمين شرعيين انتهت ولايتيهما.
نستخلص ان اتفاق تونس لا يتجاوز ان يكون اعلانا عن حسن النوايا، والذي هلل لهذا الاتفاق هم الكتل المعطلة للحوار لاسباب قد يدخل حسن النوايا في بعضها، وبعض هذه الاسباب التخوف من التدخل الدولي وما نتج عنه في معالجته للحالة العراقية والافغانية. لكن في نظري الاشكالية الكبرى تضل في عملية الاستقطاب الحاد للمجتمع الليبي حيث نجح المؤتمر في اقناع فئة من الشعب بان ما يحدث في بنغازي هو ترتيب لاعادة الازلام الى الحكم، ونجح البرلمان في اقناع فئة أخرى بان ما يجري في طرابلس هو دعم لللارهاب، ومحاولة لسيطرة الاسلاميين على الحكم.
التوقيع الذي تم اليوم في الصخيرات، بالاضافة الى الدعم الكبير الذي حضى به دوليا، و التأيد الذي ناله من فئة كبيرة من النواب في المؤتمر والبرلمان، والذين توافدوا على الصخيرات للشهادة على هذا الحدث، وقبوله من الفئة الصامته من الليبين لا يفتقد الشرعية كما يدعى المعارضين له، ذلك ان الحوار ليبي ليبي بجدارة لكن برعاية اممية، وقاعدته الشعبية عريضة تشمل جل الليبين. ونحن ندكر ان بداية الحوار كان في غدامس لاقناع النواب المقاطعين بالعودة الى البرلمان، ولو تم ذلك الامر في وقته لكان فيه خير كثير. الا ان الاحداث التي اعقبت لقاء غدامس عقدت الامور، لكن في نفس الوقت اعطت زخم اكبر للحوار بانظمام فريق من المؤتمر والاحزاب السياسية وبعض منظمات المجتمع المدني والبلديات الكبرى والمستقلين. وقد استمد الحوار شرعيته بان لجان الحوار الممثلة للبرلمان و المؤتمر ثم اختيارها والتصويت عليها من قبل البرلمان والمؤتمر، وبذلك اكتسبت تفويض شعبي، وبالتالي لم يعد لرئيس البرلمان او لرئيس المؤتمر السلطة في اسقاط اعضاء اللجنة او حلها، وفي حدود علمي لم يجتمع البرلمان او المؤتمر في حل لجان الحوار. طبعا حل هذه اللجان اصبح اليوم متعدر بسبب ان كل من البرلمان والمؤتمر لا يحضيان بالاعتراف سواء في الداخل او في الخارج، فكل الليبين ينتضرون خروج اعضاء البرلمان والمؤتمر بالكامل من هذا الفضاء السياسي، وخارجيا ايضا كم صرحت الهيئات الدولية والدول النافدة. لقد اشرت الى تشردم قوى الاجسام الليبية فالخلاف بين الفرقاء السياسيين كبير، وولاء المليشيات المسلحة ايضا اصابه هذا التشضي، وبالتالي فإن حكومة الوفاق الوطني ستكون في موقع قوي بمساندة القوى الدولية اذا قوبلت بالرفض من المعارضين للاتفاق.
انا في الحقيقة لست من السعداء بروئية السيد صالح مخزوم وهو يتصدر المشهد الليبي، لكن على ان اشيد بكلمته التي القاها في هذه المناسبة، واني اوكد كما سبق ان كتبت عن دور الامم المتجدة في الشأن الليبي، فالامم المتحدة كانت وراء كل الاحداث الجسام التي مرت بها ليبيا، واني اتسأل كيف رحب ابأونا بدورها في استقلال ليبيا، وكيف رحبوا بدورها في انشاء دولة ليبيا بعد ان استقلت عن ايطاليا، وكيف رحبنا بتدخلها في الاطاحة بالاستبداد ونرفض ان تكون شريكا لنا في بناء الدولة.
والله من وراء القصد
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً