كنت أحاول القول، في الطرح السابق من تحت هذا العنوان، بأن مسمى ومصطلح الشرق الأوسط، ليست كلمة جوفاء، جاءت لتلوكها الأفواه، وتكتبها الصحف والمجلات، وترددها ألسنة الإذاعات وصور التلفزة، كيف ما اتفق، بل هي كما اتضح أثناء حراك انتفاضات 2011م، بأن لهذا المصطلح كيان يتنفس الحياة من جميع أطرافه، عبر منظومة اجتماعية فكرية سياسية اقتصادية عميقة، تغطي كل الفضاء الجغرافى لجنوب وشرق المتوسط، ولا ينتج ولا يأتي على يد هذه المنظومة، سوى ما يفيد وينفع ويحافظ على بقاء هذا الشرق الأوسط في داخل مشهد الحياة فاعل فيها ومنّفعل بها، وأيضا يجب الإشارة إلى أن ليس كل ما ينتجه، سيكون وبالضرورة ذا نفع وفائدة، لغير الشرق الأوسط، ولمن جاء على يده، هذا الكيان إلى دنيا الوجود، إثر توقف الحرب العالمية الأولى، من خلال ترتيبات دولية أتت تحت مسمى سايس – بيكو، وهو ومنذ لحظة ولادته في ذلك الزمن البعيد وحتى يومنا هذا، في حراك مستمر بحيوية لا تتوقف وطاقة لا تنفد، عبر مسيرة من الزمن قاربت قفل قرن من العمر.
والشاهد الساطع على حيوية هذا الكيان، وعلى أن ليس كل ما ينتجه ويأتي على يديه سيكون ذا نفّع وفائدة لغيره، ذلك يتمثل وبوضوح تام أمام كل متابع، في ما جاءت به آخر إصدارات كيان الشرق الأوسط المعنوية والمادية، في ما خطه وكتبه فى هيئة مرجعيات عملية فكرية، أتت واحتوتها بعض المُتون من مخطوطاته، على سبيل المثال لا الحصر في ما تناولته أسطر (الفريضة الغائبة) وكتاب (إدارة التوحش)، وقد تخلّقت أفكار هذه المُتون، في الواقع الحياتي لفضاء شرق المتوسط وجنوبه، في تشكيلات لكوادر راديكالية، ظهرت في مسميات تنظيم القاعدة وفي ما عُرف بداعش وبتنظيم النصرة وما في حكمها، وهذه جميعها لم تأتي لخدمة الإسلام أو الاشتغال لغير صالحه، فذلك شأن آخر، بل جاءت لإدامة كيان الشرق الأوسط، وبعث نَفَس وحيوية جديدة في أوصاله.
قد تبدو هذه المفردات (داعش، النصرة، القاعدة، إدارة التوحش إلخ) لساكني وقاطني الفضاء الجغرافي لجنوب وشرق المتوسط، من الأدرع والسُبل والأدوات التي تنتهي بمتعاطيها إلى أحضان حياة يسودها البؤس، ويعشعش في جنباتها التخلف، ولكنها ليست كذلك لكيان الشرق الأوسط، بل تمثل له ليس غير إكسير حياة، أبّقاه على وجهها عُمر قارب قفل عقود عشرة من الزمان.
ولهذا عندما قامت انتفاضات في بعض المفردات الجغرافية لفضاء جنوب وشرق المتوسط – ليبيا تونس على سبيل المثال – وكانت جميعها ذات بُعد محلي داخلي إصلاحي خدمي تنموي، تسعى نحو إعادة ترتيب إدارة الشأن العام، بما يجعله ذا سلوك مسؤول اتجاه البلاد وساكنيه وموارده وإقليمه القريب والدولي البعيد، لم يمض على حراك الانتفاضات طويلا حتى وجد نفسه فى اشتباك ومواجهه مباشرة مع جل المفردات الوظيفية لكيان الشرق الأوسط.
كنت أحاول القول، إن هذا وليس غيره ما يرفع من منسوب التأزم داخل الوعاء الجغرافي الليبي، بل وفي بقية المفردات الجغرافية المنتفضة، داخل فضاء جنوب وشرق المتوسط، فما تراه الانتفاضات شأن محلي داخلي إصلاحي وتسعى نحو تحقيقه، لا يكون كذلك لدى منظومة الشرق الأوسط العميقة، فقد ترى فيه بداية لتصدع طال بنياتها وقد ينتهي بانهياره، ولكن وفي الآن نفسه، لا اعتقد فى الإمكان إعادة الأمر إلى ما قبل هذا الواقع الذي انتهت إليه الانتفاضة، ولا اعتقد أيضا، بأن هذا الأمر سيغيب عن فهم عرّاب الشرق الأوسط، والمشرف على الترتيبات الدولية التي جاءت بالشرق الأوسط إلى الوجود إثر الحرب العالمية الأولى، وإن بدأ غير ذلك، من خلال ما يُنبى به التعاطي السلبي للسفارة والسفيرة الإنجليزية بليبيا، مع انتفاضة الليبيين وسعيهم نحو إصلاح إدارة الشأن العام ببلادهم، بما يتناسب والصالح المحلي الليبي في التأسيس الخدمي التنموي الإنمائي، ليتخطوا به حياة البؤس التي تعتصرهم وترهقهم، وبما يُؤسس إيضاً، لأمن واستقرار محلي وما بعد المحلي فى الإقليمى القريب والدولي البعيد.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً