قال عضو المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن الشاطر، إنه لا يشعر بالارتياح حيال التأييد الدولي للدفع بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بنهاية العام الجاري فهذا التأييد العاطفي يذكرنا بالتأييد لانتفاضة السابع عشر من فبراير عام 2011 والتي تركها المجتمع الدولي بعد انتصارها تتقاذفها التيارات المختلفة دون أن تُقدم لليبيا مشروع نظام دولة وحكم ديمقراطي، وعترف بهذا الخطأ أوباما وماكرون وساراكوزي.
وأضاف الشاطر في حديث لشبكة “عين ليبيا”: “فبمجرد انتهاء تلك الفزعة الدولية لمساعدة الشعب الليبي التخلص من الحكم الدكتاتوري انسحبت الدول وأدارت ظهرها لليبيين بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو لتتعقد الأمور وتدخل ليبيا في مرحلة اللااستقرار وصراعات أهلية دموية وتدخلات من عدة دول بحثا عن النفوذ والسلطة والثروات”.
وأشار إلى أن الدول الفاعلة في الشأن الليبي اليوم تكتفي بتحقيق مجلس رئاسي جديد وحكومة وحدة وطنية لتُلقي بثقلها السياسي لإنجاز انتخابات رئاسية وتشريعية دون أن تلتفت أو تركز على أهم الأعمدة التي تتأسس عليها الدول ألا وهو إنجاز مشروع الدستور، وهذا يعني أن العمل سيكون ناقصا ومعيبا ولا يبعث أو يؤسس الاستقرار ومن هنا يأتي الإحباط والشعور بعدم الارتياح أو الاطمئنان، وفق قوله.
وتابع الشاطر: “أُلاحظ أن هناك فجوات كبيرة تركت عمدا لتُوقع بالمجلس الرئاسي و حكومة الوحدة الوطنية عن عمد في فخاخ ملغومة وليس فيها شيء من البراءة”.
ولفت إلى أن هناك مواضيع بالغة الصعوبة تُركت بدون معالجة دقيقة وهي مواضيع جوهرية وبدون تقديم يد المساعدة بالضغط اللازم والفعال لحلها وإنهائها لدى الجهات التي لهم عليها نفوذ.
وأوضح الشاطر أن حكومة الوحدة الوطنية عليها أن تُوحّد مؤسسات الدولة بما في ذلك توحيد المؤسستين العسكرية والأمنية، وتساءل: “فهل هي قادرة لوحدها على انجاز هذا الاستحقاق؟ هل تستطيع أن تحدث تغييرات في مناصب المؤسسة العسكرية كأن تكلف رئيسا للأركان عوض رئيسين حاليين؟ وهل ستستطيع أن تحيل المدعي الواهم بمنصب القائد العام للجيش الليبي إلى التقاعد وفقا لنصوص القانون وتعيين شخصية عسكرية أخرى لتولي المنصب؟ وهل يستطيع القائد الأعلى للقوات المسلحة المتمثل في المجلس الرئاسي الجديد أن يمنع أو يحد من تحركات الأرتال العسكرية في الشرق والغرب والجنوب الليبي ويوجهها وفق مصلحة الدولة الليبية؟ وهل سيستطيع تنفيذ مغادرة الجنجاويد والفاغنر بإصدار قرارات أو أوامر بعدم شرعيتها وبأنها تمثل احتلالا لأراضي ليبية؟ وهل سيتحكم القائد الأعلى للجيش في مواعيد وأماكن وأغراض المناورات العسكرية أو يتابعها بالحضور الشخصي؟”.
وبيّن أنه لو تمكنت حكومة الوحدة الوطنية من توحيد 95% من مؤسسات الدولة فذلك لا يعني نجاحها وإنما النجاح الحقيقي الكامل يكون في توحيد المؤسستين العسكرية والأمنية، وهذا هو مربط الفرس والباقي من تحصيل الحاصل ولا ينبغي أن نكذب على أنفسنا وعلى المجلس الرئاسي والحكومة الوطنية أن لا يسرفا في التفاؤل ولا يُفرطا في توزيع النوايا الحسنة على الكل، حسب وصفه.
وأردف الشاطر: “أنا غير مطمئن ولا أرى نجاحا يمكن أن تحققه حكومة الوحدة الوطنية على صعيد توحيد المؤسستين العسكرية والأمنية وبالتالي فإن الانتخابات الموعودة، ما لم تجر بعد الاستفتاء على مشروع الدستور، فسنواجه كارثة حقيقية ومفصلية إلا إذا تلقت دعما عمليا وملموسا وفعالا من الدول التي تتسارع اليوم للترحيب بالحكومة والمجلس الرئاسي إذ الكثير من بيانات الترحيب لا تُمثل شيئا مفيدا ولا قيمة عملية تنفيذية لها وهي لعب ونفاق سياسي لشراء الوقت لتقع الحكومة في الفخاخ التي تعد وتنصب أمامها”.
وأضاف: “لا أصدق أن الدول التي ساهمت طوال سنوات بالسلاح والطيران العسكري والمال والإعلام سعيا وتأييدا لعودة الدكتاتورية قد خلُصت نواياها ونبذت العنف ضد الشعب الليبي وعادت لها صحوة الضمير.. من يفكر في صدقها يُؤكد غباءه السياسي”.
وأشار عضو المجلس الأعلى للدولة إلى أن هذه الدول لم تُبدّل أهدافها وإنما بدّلت وسائل الوصول إلى تحقيقها فحيث فشل السلاح بإمكانها أن تحققه بسياسة الأحضان والقُبل والدبلوماسية الناعمة. و(طي صفحات الماضي المؤلمة) وهم يعلمون علم اليقبين أن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم وعلى هذا الأساس هم في عجالة من أمرهم.
وأوضح الشاطر أن هذه السياسات تنطلي على عديمي الخبرة السياسية وهي حشد للشعبويين الذين تسيرهم العواطف، أما النخبة من صناع القرار التي ترى المستقبل في محيطه البعيد من حيث الجغرافيا والزمن فإن ما يحدث ليس في صالح وحدة الدولة الليبية أو استقرارها على الاطلاق.
ونوه إلى أن ملامح المشهد السياسي القادم بدأت تظهر للعيان ففرنسا وروسيا تضغطان بقوة لإجراء انتخابات رئاسية ولكل منهما عميل تدعمه للفوز بمنصب الرئاسة، والإمارات تلعب من تحت الطاولة والولايات المتحدة الأمريكية تضغط هي الأخرى على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وسوف ترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبته عام 2011 لو لم تصر على ضرورة الاستفتاء على مشروع الدستور كحق أصيل بدون منازع للشعب الليبي في أن تكون لديه مرجعية دستورية تُولد من رحمه وليس من رحم لجان تختارها وتباركها البعثة الأممية ويصدر مجلس الأمن قراره باعتمادها ضد إرادة الشعوب في حق تقرير مصيرها، ووصف الشاطر هذا الأمر بتدليس سياسي وغش واحتيال على الشعب الليبي.
ويُضيف الشاطر: “لو نجحت الدول الضاغطة على انتخابات رئاسية بدون الاستفتاء على الدستور فإن العودة لحكم الدكتاتورية قادم لا محالة وأكاد أراه يحدث رؤية العين المجردة ويجر البلد إلى حروب طاحنة وانقسام البلد الواحد إلى بلدان عدة… حينها لن ينفعنا مجلس الأمن بقراراته العدمية ولا بيانات الشجب والاستنكار التي ستطلقها عواصم عدة تدعو فيها إلى ضبط النفس والالتزام بالحكمة وإعمال العقل وقد تصرفت في شؤوننا بدون حكمة أو عقل”.
واختتم الشاطر حديثه بالقول: “قلبي على حكومة الوحدة الوطنية وأتمنى لها النجاح… والنجاح لا يأتي بالمواقف الضعيفة أو منح الثقة في دول تسببت في قتل الآلاف من أبناء هذا الشعب ودمرت مدنا وعطلت قيام الدولة المدنية لمجرد أنها أصدرت بيانات بأنها حريصة على وحدة واستقرار الدولة الليبية وأنها تدعم حكومة الوحدة الوطنية.. لا بد من توجيه أسئلة لهم عن نوع وكيف سيكون الدعم وما هي آلياته؟… المثل الشعبي الحكمة يقول (يا ما تحت السواهي دواهي!!!)”.
اترك تعليقاً