نعم لقد ظل أهل فبراير وأظلوا، عندما رفعوا شعارات زائفة لثورتهم، تتحدث عن السلام، وعن الحب وعن التسامح، بل وزايد البعض منهم ليصنع لنفسه مكانة عند السابقين كما اللاحقين، وتناسوا أن التي أشعل الليبيون نارها هي ثورة، وليست حركة إصلاحية.
فالثورة لها قواعدها التي تحكمها، فالثورة عمياء لا تعرف إلا السيف، ولا تعرف إلا الاجتثاث، خاصة عندما يكون العدو لعين، ولا يعرف الأخلاق، ويمارس الرذيلة أربعين عاما متتالية، ليس في قلبه رحمة ولا شفقة بشعبه، ولم يستفيدوا من سير الثورات السابقة، وأخرها الثورة الإيرانية، والتي ترأس محاكمها آية الله خلخالي، والذي مسح بقانون الثورة كل أعدائها، ولم يفكروا حتى التفكير في خزعبلات العزل السياسي المضحك.
ولكن وللأسف من تولى أمر الثورة عندنا بعد نجاحها، كانوا ثلة من المزايدين، والباحثين عن المال والمكانة الاجتماعية، المفقودة عند البعض منهم، واستدرجتهم أيضا بعض المخابرات العربية والدولية، وفتحت لهم القنوات الإعلامية ليصنعوا منهم أبطال، بل أن أحدهم تحدث عن تحرير طرابلس ولم يرها إلا بعد يومين، حتى تأكد من تحريرها، بأولئك الشباب البسطاء والذين ضاعت دمائهم، هباءا منثورا، وربما تحصل بعض المزايدين منهم حتى على اعتذارات من الدول الكبرى.
فهل يعقل أن تُدفع مئات الملايين لاستجلاب أحد كبار المجرمين من الخارج، والملوثة يداه بشهداء أبوسليم الأبرياء الأنقياء، وغيرهم، لكي يتم استضافتهم والهدرزة معهم حتى منتصفات الليل، والتودد إليهم، بدل عن إنفاذ قوانين الثورة فيهم، وأن يتم تشكيل محاكم سريعة لهم لعقابهم، حتى يصل الأمر أن يخرج اليوم علينا بعض الرعاع في طرابلس للمطالبة بإطلاق سراحهم، أو أن تقوم حكومة الشرق بإصدار قرار عفو طبي بدون حتى تقرير طبي لهؤلاء المجرمين، والذين قتلوا أبرياء ليس لهم أي جرم تعاقب عليه حتى إسرائيل وليس دولة محترمة.
نعم إن الثوار الذين لا ينجزون استحقاقات الثورة والذين لا يصنعون واقعا جديدا لها هم مجانين، يقودون أنفسهم إلى المشانق، ويحفرون قبورهم بأيديهم، وستنتهي ثورتهم لتكون وبالاً عليهم، وعلى أوطانهم.
بالأمس استقبل حفتر كل أعداء فبراير ورموزهم، ويمشون ببنغازي كما الطاووس، وتجدهم في صدارة المآتم والأفراح بوضوح، وبقصد، ليشمتوا في فبراير وأهلها، وبطريقة غبية يفعل الرئاسي ذات الفعل، ليكلف وزراء من أعداء فبراير، وقد تشرفت اليوم أيضا لجنة المصالحة البائسة أصلا، والتي لم يكتب لها الانعقاد حتى اليوم، بعضوية أحد أقطاب نظام القذافي، وربما غدا برئاستها، ولتعمل تلك اللجنة ربما مستقبلا لتقديم الاعتذار للقذافي وأسرته.
ولابد اليوم أن نذكر للرجال فضلهم، فهم حقيقة حصن فبراير المتين، وهم أهل مصراتة لو أنهم لم يقتلوا الطاغية وينتقموا لليبيين عن أربع عقود من الظلم والاستبداد، لكنا اليوم في انقلاب أشرس شدة، وأعمق جرحا.
إن ما يقوم به حفتر هو إحلال أزلام النظام السابق تدريجيا، مكان أهل فبراير، وقريبا ربما ستُعلن الجماهيرية الثانية، وربما تنتظر فقط بلورة النظرية الرابعة والأبن الرياضي والجمعية خيرية، ولنقل نحن البسطاء من أهل فبراير، أصحاب الأحلام في وطن حر ودولة مدنية للإسلام السياسي جزاكم الله عنا خيرا، فقد ضيعتم فبراير، وكنتم سبب في دمارها، والله على ما أقول شهيد، ولكم أن تتمتعوا بقصوركم هناك في أحياء لندن وباريس وإسطنبول الرائعة، والراقية، ولنا الدعاء أن ينزع الله عنا حقد أزلام نظام القذافي كما نزعه هو وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
اترك تعليقاً