أقول مبتدئا إن الفقر كما يقال ليس عيبا ولكنه سيكون كذلك في غياب التقوى والخوف من الله وسيدمر كل شيءٍ. تجرّع طاغية ليبيا الجوع في صغره وصباه فانعكس ذلك على سلوكه وأخلاقه وسياساته، أراد نقل ما عاناه من جوع وحرمان إلى الليبيين فضيّق عليهم في رزقهم فكان لا يحلوا له وقد أصابه الفقر بالعقد إلّا أن يرى الليبي وهو يقود سيّارة معدومة أو تكاد وفي إحد لقائاته رأى منازل جميلة فقال لماذا كل هذه المنازل يجب أن نعود لنسكن أكواخ الصفيح، وحين يرى مواطنا يركب سيّارة جميلة كان يقول يجب أن نركب الحمير؟؟؟ كان ذلك جزء قليل من تأثير الفقر على حياة العسكري فعاش فقيرا ومات فقيراً!!!
إن الإنسان الجائع يدمر القيم والاخلاق فحين يسيطر الجوع على الإنسان فإنه يصبح من السهل عليه ترك كل قيمة أخلاقية أو اجتماعية ويتنصل منها بداية ثم يزيد بعدا وتطرفا ليصل إلى حد إعلان الحرب على تلك القيم وعلى كل ما يحوم حولها وأظن أن ما عانيناه من جوع في الأربعين المظلمة من عمرنا وعمر وطننا من حرب ضروس لتلك القيم كان نتيجة لأن من حكم البلاد كان جائعا قبل وصوله للحكم فلم يستطع التخلص من شبح الجوع وسيطرته عليه فأراد أن يذيق الليبيين الجوع وتأثيره فكان له ما كان؟؟؟
قد يؤثّر الفقر على عقيدة المرء إذا لم يكن قوي الإيمان فقد يسخط عما أصابه من ضنط في العيش ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا قائلا: “اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر”، فكلما وصل الإنسان إلى رفاهية العيش وكرامته شعر بالطمأنينة وتمسك بالقيم الأخلاقية والإجتماعية في العموم وكلما عاش الإنسان الفقر أفقده كثير من القيم، يقول على بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كان الفقر رجلا لقتلته.
قد يتسبب الجوع والفقر في الإنحراف والسرقة والقتل وانتشار العديد من الأمراض والإضطرابات الإجتماعية وكثيرا ما نرى تلك الأمراض منتشرة في المجتمعات الفقيرة أكثر من غيرها ولأننا عشنا الفقر وتربينا عليه ومسّنا ووقعنا تحت تأثيراته من بعيد أو قريب تغيرت معايير التقييم عندنا فأصبح الغني ينال التقدير والإحترام والتبجيل من أكثر الناس ولو كان الغني سارقا أو محتالا أو حتى تاجر مخذرات؟؟؟!!! ليكن ما يكن، المهم أن يكون الرجل غنيّا لكي ينال الإحترام وليس مهمٌ عندنا كيف أصبح غنيا بل نتجنب السؤال عن الكيفية لأننا نعرف الإجابة سلفا ولا نريد سماعها لأنها ربّما لحقت بنا لعناتها أو انكشفنا أمام الآخرين؟
لعنات الفقر والجوع كانت واضحة فينا وبيننا في المرحلة السابقة المظلمة والآن حين كنّا نبيع أنفسنا ونبيع الآخرين للأجهزة الأمنية وغيرها بدراهم معدودة وحين أتيحت لنا الفرصة بعد التحرير رأينا العجب العجاب!!! رأينا الإنقضاض على الممتلكات العامة والخاصة فحتى أملاك الناس الخاصة لم تسلم من الجماعة التي يسيطر على عقولها الفقر، رأينا الإستيلاء على المباني العامة ووسائل النقل ونقلها إلى أماكن ومدن وقرى!!! عجبا أمر الجياع ؟ رأينا من كان فقيرا وأضحى غنيا بين عشية وضحاها؟؟؟ ربما أمطرت السمآء على هؤلآء ذهبا من دوننا!!!؟؟؟ ألا لعنة الله على السارقين. رأينا اقتحام وسرقة مقرات الشركات الأجنبية !!! رأينا ونرى بيع وشراء للقيم والأخلاق والوفاء!!!
رأينا ونرى تأثير الفقر والجوع في تصرفات حكومتنا التي أنفقت ما يزيد على ستون مليار ولم تضع حجرا ولا شجرا ولم تعمّر مدينةً ومع ذلك تقول هل من مزيد؟ رأينا الجوع والفقر في سلوك بعض أعضاء مؤتمرنا وبرلماننا، فجميعنا تقريبا يخاف الفقر والجوع ويخشاه فهو يحاول أن يغنم ويسطوا على ما يلقاه حتى أصبحت ممتلكات الدولة غنيمةً يفتخر فاعلها، إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ؟ إنه الفقر والجوع يفعل بصاحبه ما يفعل ويحيله إلى مفترس ويقضي على القيم الأخلاقية والإجتماعية في الإنسان فيبيع وطنه ببطنه.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً