من غير الممكن وصف تداعيات قرار الحكومة تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط بالإجراء الإداري الاعتيادي، فما صاحب هذا القرار من رد فعل لرئيس المؤسسة السابق مصطفى صنع الله، وخطابه الانفعالي المتلفز مع اللغة الهابطة، يعكس الحالة المأساوية التي وصلت لها السلطات الحاكمة في البلاد في صراعاتها العبثية.
طول الإقامة في المنصب، دون تحديد المدة، وفق الآليات الإدارية والقوانين واللوائح المنظمة للعمل الإداري، يدفع شاغله إلى ضرب جذوره في أرض المؤسسة، وتكوين حاشية من الموظفين الموالين، ليصبح همه وشاغله هو البقاء والاستمرار في المنصب إلى ما لا نهاية، ومن ثم صبح عملية إقالته حدث له تداعيات وارتدادات، خاصة إذا كانت لهذه الإقالة بعد سياسي.
الإطاحة بصنع الله من قيادة مؤسسة النفط، كانت بمثابة إزاحة للحجر الأضعف في بنيان متماسك، يسند بعضه بعضا ليتصدع البنيان، وتهتز أحجاره، فالطبقة السياسية الحاكمة اختلفت على كل شئ تقريبا، ولكنها اتفقت على إجهاض الانتخابات، وبهذا الموقف باتت متماسكة، تتداعى لبعضها بمد يد الانتشال لمن يترنح، وتسنده لتعيده وتثبته، لأن سقوطه يهددها بالسقوط هي أيضا، فبعد هزيمة حفتر على اسوار طرابلس، وتراجع حلفاؤه عن دعمه، سارع عضو المجلس الرئاسي السابق أحمد معيتيق، إلى ابرام صفقة معه في سوتشي بروسيا، ليسمح بفتح النفط مقابل منحه ما يريد من أموال، ويحل الرئاسي الأزمة الاقتصادية، وعقب اقتحام مجلس النواب، وإنهاء عمله في طبرق مد المجلس الرئاسي يده إلى رئيس البرلمان عقيلة صالح، بزيارة عضو المجلس عبدالله اللافي، ولقائه عقيلة صالح في مقر إقامته، ليعيده إلى الواجهة من جديد. والأمثلة عديدة لا يتسع المجال لذكرها. لا أحد حتى الآن بادر لنجدة صنع الله، ولم يعلق مجلس النواب ولا مجلس الدولة ولا المستشارة الأممية ستيفاني وليامز، حتى الشخصيات السياسية التي اعتادت التعليق على كل الأحداث صمتت ولم تعلق، وكأنهم أخذوا بالصدمة.
تداعيات إقالة صنع الله كانت فورية، فقد تواترت أنباء عن صفقة أبرمت بوساطة إماراتية بين وسطاء لأقوى شخصيتين في المشهد السياسي، الدبيبة غربا وحفتر شرقا، تعززت بها سلطتهما على القرار السياسي، وأضعفت الخصوم والحلفاء في مجلسي النواب والدولة، وأنهت أو تكاد الحكومة الموازية.
على المستوى الدولي كشف تصريح السفير الأمريكي نورلاند، والتأكيد عليه في تعقيب السفيرة البريطانية، عن ترحيب ضمني بهذا التغيير مادام سيعيد النفط للتدفق بمعدلاته السابقة، ليساهم في حل أزمة الطاقة الطارئة في أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا.
وكالعادة تقدمت فرقة شيوخ الهلال النفطي، معلنة في بيان معد سلفا عن الترحيب بالإطاحة بصنع الله، وفتح الحقول والموانئ من جديد. في بياناتهم السابقة كانت شروطهم في بيانات الإغلاق هي التوزيع العادل للعائدات، وتمكين حكومة باشاغا من استلام مقرات الحكومة، وإنهاء حكومة الدبيبة، ولم ترد في بيان الفتح أية إشارة عن تحقق هذه المطالب، وإنما تفاؤل وفرح بسقوط صنع الله.
حالة الترقب لنتائج القرار مستمرة دوليا ومحليا، حتي يتبين خيط الصفقة الأبيض، من عودة تدفق النفط الأسود إلى الأسواق، ليساهم جزئيا في حل أزمة الطاقة العالمية وخفض الأسعار، أما محليا إذا مضت الأمور كما يشتهي الدبيبة وحفتر، وحصل كلاهما علي الأموال المطلوبة للأول لكي يدير حكومته، وللثاني ليحل أزمته المالية ويسدد ديونه، فإن مصير الانتخابات سيذهب إلى المجهول، ولن يكون غريبا أن يتحمس لها مجلسا النواب الدولة، حين يكتشفا أن اللعبة خرجت تماما من أيديهم، نكاية في الطرفين المسيطرين على السلطة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً