التغيير الاجتماعي

التغيير الاجتماعي

التغيير سلاحا ذو حدين إما إيجابيا محمودا وإما سلبيا مذموما والفيصل بينهما هي القيم الاجتماعية والأخلاقية إن كنت غير مسلما أو غير مسلما والأمر يزيد إذا كنت مسلما فهو لا يخلو من وجوب تحكيم القرآن والسنة والإثنين يدعمان بقوة القيم الاجتماعية والأخلاقية الإنسانية عامة فلا تعارض وفي كلتا الحالتين التغيير في المجتمعات جميعا يجب أن يستند إلى قيم أخلاقية فلابد أن يكون للتغيير حدود أخلاقية وحدود منطقية وعقلية وإلا ربما سيكون تغييرا ضارا غير محمود يسوق المجتمعات للعديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية التي لا حصر لها كما يقودها للانحدار الأخلاقي الذي سيحرق  الجميع وهذا ما لا يريده أحدا؟

إن العصر الذي نعيشه بوسائل اتصاله الحديثة التي تتخطى الحدود تتطلب منا الكثير من أجل الحفاظ على القيم الاجتماعية والأخلاقية للمجتمعات وخاصة مجتمعاتنا العربية فالذي يجري في مدينة أو قرية صغيرة في أمريكا يمكن أن يشاهده مباشرة شاب أو أي إنسان في أي مدينة أو قرية صغيرة في أي بقعة من العالم تقريبا وحتى نحدد نقول في وطننا العربي وهذا ما يهمنا. طبعا هذا على المستويات الفردية فأي فرد يستطيع أن يبث ما يشاء من محتوى ليشاهده ملايين من الناس حول العالم دون رقابة وهذا قد يكون له ما له وعليه ما عليه ويعتمد ذلك على المحتوى وفي الغالب وكنتيجة لمرحلة ما تسمى بالحرية المطلقة التي وصل إليها العالم الآن وبعدم وجود رقابة ونقصد هنا برقابة القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية فإن أغلب المحتوى الذي نشاهده لا يعير ولا يُقيم وزنا للقيم الإنسانية والاجتماعية بل يساهم في زيادتها تدهورا ثم قبل ذلك مالي أنا في مدينة أو قرية صغيرة بالوطن العربي أو أي مكان آخر بشاب يقتل عشرين من زملائه في مدرسة أمريكية أو شاب يرقص في الشارع وآخر يعمل حركات مخلة بالآداب ورابع يصور نفسه وهو يأكل وأخرى تعرض نفسها على العامة في صور غير لائقة فما الذي سأتعلمه وسيتعلمه الآخرين من هذه المظاهر التافهة في أغلب الأحيان!؟ غير نقل ثقافة التفاهات.

التغيير حصل وسيحصل لظروف الحياة التي نعيشها والتي تلعب فيها وسائل الإعلام غير التقليدية دورا كبيرا في حياة الأفراد فعلى سبيل المثال أغلبنا يقضي أوقاتا ليست بالقصيرة تصل إلى ساعات يتنقل فيها الإنسان بين هذه الوسائل الجذابة بتنوع أخبارها، تتسم هذه الأخبار والمشاهد بأنها قصيرة ولذلك فقد كثيرٌ منا الصبر وصار أغلبنا وخاصة صغار السن لا يطيقون القراءة لوقت طويل بل حتى المشاهدة لوقت طويل فكل ما يريدونه هو القفز عن الشاشة من خبر لآخر ومن مكان إلى مكان وبكل تأكيد يؤثر هذا في عدم القدرة والصبر على القراءة والتفكر، قراءة موضوع أو كتاب أو حتى الاستماع أو مشاهدة برنامج أو محاضرة هادفة، أيضا هذا النوع من التعدد الإخباري القصير والمختل قد يسبب نوع من القلق عند المتلقي لأنه يريد أن يعرف الكثير مهما كان هذا الكثير فالمحتوى غير مهم بل أصبح يبحث عن أشياء مسلية ومضحة من حول العالم وهذه تجر إلى مضيعة للوقت في أشياء غالبا ما تكون غير هادفة ولا مفيدة ولا نافعة للفرد ولا للأسرة ولا للمجتمع؟.

أصبح التغيير بشكل كبير مرتبط بالتقنية كما أوضحنا سالفا فمن يملك التقنية يملك التغيير ويلعب الهاتف النقّال دورا رئيسيا في نقل وتغيير الثقافة بنوعيها وتتنافس الدول الكبرى كأمريكا والصين في السيطرة على العالم مع التقدم الأمريكي الواضح وفرض الثقافة والسيطرة الأمريكية والهيمنة على العقول بمختلف أنواعها منذ عقود في صور المطاعم الأمريكية مثل ماكدونلد وكونتاكي وستار بوكس وغيرها كثير لدرجة أصبحنا فيها نتدافع لدخولها حين تفتح فروعها في دولنا لنأكل أو نشرب قهوتها وكأنها تطيل في أعمارنا وهي في الحقيقة أطعمة غير صحية على الإطلاق ولكنها الهيمنة على العقول والغزو الثقافي!؟.

نحن ننشد التغيير وهذه طبيعة الحياة، ولكنه التغيير الذي نحافظ فيه على قيمنا الاجتماعية والأخلاقية والدينية التي ترشدنا وتقودنا وتحافظ على إنسانيتنا وتَرابط أسرنا ومجتمعاتنا وعلاقاتنا ومن يزغ منا يجد له مرجعية يستند ويرجع إليها عند الحاجة وفي الوقتين الرخاء والشدة، إن القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية لا غنى للفرد عنها، وبدونها يصبح لا حدود للعبث البشري وتختلط على الفرد الأشياء فيُمسِي تائها ويصبح حائرا وانظر إلى المجتمعات الغربية من أمريكا إلى الدول الغربية حين تخلّت عن هذه القيم صار العبث في هذه المجتمعات لا حدود له بل أصبحت القيم التي كانت منتشرة بينهم يوما ما غريبة يوما ما وهذا ما سيحدث حين يتخلى الإنسان عن القيم الإنسانية فيصبح الشاذ من الأقوال والأفعال هو الشائع والمقبول، فعلى سبيل المثال بدأ الأمر بالمساواة بين الرجل والمرأة التي اتخذت أبعادا غير طبيعية فالأصل أن المجتمعات تتكون من رجل وامرأة ولكلٍّ دوره المكمّل للآخر فالمسألة مسألة تكامل وليست مسألة مساواة بل تعدى الأمر عندهم حين تخلّو عن القيم المذكورة إلى وجود جنس ثالث ومن المضحك أيضا أنّ على المولود أن يختار جنسه ذكرا أو أنثى فأنتشر الشذوذ حتى بلغ الأمر الآن مبلغه بأن لا يستطيع أفراد المجتمعات الغربية أن يعارضوا هذه الأفكار والتوجهات المخالفة للطبيعة البشرية كل ذلك يحدث نتيجة تخلي الإنسان عن القيم التي تنظم المجتمعات ليعيش الجميع في سلام وأمن اجتماعي ونفسي ينعكس إيجابيا على الصحة العامة للفرد والمجتمع بأكمله، وبالنظر لتلك المجتمعات الغربية وما يعانيه الكثير من أفرادها من اضطرابات وأمراض اجتماعية ونفسية مزرية لا تخفى على وصار نتيجة ذلك أن أصبحت الدول تخصص ميزانيات ضخمة لعلاج هذه الأمراض.

مع إصرار تلك الدول على تصدير وتسويق أزماتها عن طريق ثقافات تافهة لتغيير مجتمعاتنا وقلبها رأسا على عقب، يجب أن يكون لدينا ولدى شبابنا خاصة الوعي الكامل بخطورة اتّباع تلك الثقافات والأعمال الدنيئة والانحدار الأخلاقي دون وعي وتفكّر وتمحيص فيجب أن نأخذ من تلك الثقافات ما يتناسب مع قيمنا الاجتماعية والثقافية والدينية ونترك التفاهات ولنكن على قدر كبير من الوعي والمسؤولية والقدرة على الحفاظ على أنفسنا ومجتمعاتنا أمام التغيرات التي تعصف بنا وبقيمنا وتهدم البناء الأسري لدينا وأن لا نكون ضعافا نُساق كما يُساق القطيع.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

نوري الرزيقي

كاتب ليبي

اترك تعليقاً