لقد سبق لي تناول موضوع مفهوم السيادة في القانون الدولي العام في مقال سابق نشر بشبكة “عين ليبيا” بتاريخ 21 سبتمبر 2017م.
ولأهمية الموضوع ولما تتعرض له بلادنا من انتهاكات صارخة لسيادتها الوطنية أعود اليوم من جديد لإعطاء لمحة بسيطة حول التطور التاريخي لمبدأ السيادة للمهتمين بهذا الموضوع باعتباره موضوع إنساني عميق، وهو – بوصفه نتاجا إنسانيًا لا يرقى إلى الكمال أبدا، بل هو وفي المراحل التاريخية المختلفة – يصور عرضا مستمرا للصراع الإنساني بين قوى الخير وقوى الشر، وبين المثل العليا والأطماع مما يجعل منه مأساة إنسانية.
ولا يتسع المجال في هذا المقال لعرض كافة مراحل هذا الصراع في تاريخ البشرية، فتاريخ هذا الصراع مستمر ومتصل منذ بدء الخليقة، وحتى الآن.
ففي مصر القديمة نجد السلطة في الدولة قد قامت على دعامتين: المادية والدينية، وكانت الدعامتان تزدوجان في شخص الملك في أول الأمر، ثم استقلتا بعد ذلك في هيئتين منفصلتين: تزاول إحداهما السلطة على الإقليم وعلى الرعايا وتباشر الثانية، وهي هيئة الكهنوت السلطة على الرعايا والملك عن طريق الدين.
إن لفظ السيادة لم يكن معروفا في مصر، إذ كانت الحياة تسير، ولم تكن في حاجة إلى تبرير قيام دولة فالحاكم كان الإله المفوض في خلق الكون.
وعلى هذا المنوال صارت الأمور في حضارة الفرات.
أما اليونان القديمة كانت مقسمة إلى مدن مختلفة، وكانت كل مدينة مستقلة، وترتبط فيما بينها بعلاقات وقت السلم ووقت الحرب، على أن السيادة بمفهومها الحالي لم تكن معروفة لدى اليونانيين، على الرغم من اهتمامهم بوضع نظرية عن الدولة، كما يدل على ذلك كتاب “أرسطو عن السياسية” الذي استخدم فيه لفظ السيادة 3 مرات.
أما بالنسبة لروما فكانت تنظر إلى علاقاتها مع الدول الأخرى نظرة الرئيس إلى المرؤوسين، وكان القانون الروماني يقسم هذه الشعوب وفق ما يلي:
- الشعب الروماني صاحب الصدارة والرئاسة
- الشعوب الصديقة لروما المتمتعة بالحكم الذاتي
- الشعوب الحليفة لروما
- الشعوب الخاضعة للحكم الروماني
- الممالك المستقلة والتي توارث عروشها الأباطرة الرومانيون
وبالرغم من هذا فإن الإمبراطورية الرومانية بدأت تفقد سيطرتها على بعض الشعوب الأوروبية، لقد تحررت إنجلترا من رابطة الأمبراطورية، وبدأت في صورة الدولة المستقلة، وكذلك فرنسا، وقد ترتب على بدء ظهور هذه الدول المتحررة أن تكونت حركة فكرية أدركت مفهوم السيادة، وتقنين مدلولها وما يدخل فيها أو يتفرع عليه من حقوق، وكانت هذه الحركة الفكرية تذهب إلى أن للسيادة وجهين:
- وجه ينظر الى العلاقات الخارجية
- وجه ينظر إلى الداخل وذلك بعنايته بسلطة الأمة في تنظيم شؤونها الداخلية
ثم جاء الإسلام في أوائل القرن السابع وانتشر دينه انتشارا سريعا، والإسلام دين ودولة، والأصل الأول فيه كتاب الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم، والذي وضع مبادئ عامة وقواعد كلية، ولم يتعرض إلى تفصيل الجزئيات المتغيرة بتغير الزمان والمكان وباعتباره صالحا للتطبيق لكل الأزمنة والأمكنة، بل نص على الأسس الثابتة والقواعد الكلية التي يبنى عليه تنظيم الشؤون العامة للدولة، وسنبحث ذلك عند الحديث عن السيادة في الدولة الإسلامية.
هذا هو التطور التاريخي لمبدأ السيادة قديما وباختصار، ومنه يتضح بأن مبادئ (السيطرة والتحكم) وجدت منذ أن وجد التجمع الإنساني، وأن الصراع استمر قائما في الإمبراطورية الرومانية إلى أن بدأت الدول في الاستقلال عنها وأن الدولة الإسلامية هي نظام قام على تحرر الفرد والمجتمع من السيطرة والتحكم وأحل بدلها العدالة، والشورى، والمساوة، والحرية.
هذا باختصار التطور التاريخي لمفهوم السيادة قديما.
ساتناول في المقال القادم مفهوم السيادة في العصر الحديت إن شاء الله.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً