بالرغم من فراسة العرب وشجاعتهم ونبوغهم فى الكثير من العلوم والأدب والشعر وفصاحة اللسان التى إكتسبوها من مُفردات اللغة العربية وموروثهم الحضارى ونظامهم القبلى المتماسك إلا أنهم يمكن أن يتعرضون للإنتقادات التاريخية ، ولكن للحقيقة لم يكن يٌضاهيهم فى ذلك الزمن شعب من الشعوب المُحيطة بهم أو القريبة منهم أو البعيدة.
وكان يُضرب بهم الأمثال فى المعرفة بالصحراء التى إكتسبوا من تواجدهم فيها الكثير من المعرفة بالنجوم والكواكب وسقوط الأمطار والرياح والعواصف وغيرها من العلوم الطبيعية ، فبالرغم من كل هذه المعرفة والثقافة الفطرية إلا أن كبرياؤهم وعنجهيتهم وتعاليهم لم يُتيح لهم الفرصة للمعرفة عن ما فى الرسالات التى نزلت على الرسل قبل الإسلام وهى المسيحية واليهودية وكانوا ينظرون إليها بشئ من الإستكبار والتعالى ويعتبرونها نوعاً من الحكاوى الخراريف.
ولكن هناك من الشعراء العرب وهم أكثر من غيرهم الذين كانوا يؤمنون بأن هناك خالق لهذه الطبيعة ولا يمكن أن يُترك هذا الكون سُدىً دون صانع ومُسيّر له ومُتحكّم فيه ، ومن بينهم الشاعر (زهير بن أبى سُلمى) الذى انشد قصيدة بعد أن إقتنع أنه لا يمكن أن لا يكون لهذا الكون من خالق وأن علم الإنسان بمن حوله محدود فما بالك بالعالم الآخر الذى لم يكن هناك من يتخيله ، أما عقل الإنسان لا يتجاوز ماضيه ويومه أما الغد و المستقبل فهو بقدرة خالق ولهذا قال ……
سئمت تكاليف الحياة ومن يعـــــــــــش
ثمانين حولاً، لا أبالك، يســــــــــــــأم !
واعلم ما في اليوم ، والأمس قبلـــــــــه
ولكنني عن علم ما في غد عمــــــــي !
حقاً هو الإيمان الحقيقى الفطرى بقدرة الخالق الذى يتصوره الشاعر المتمعن فى الطبيعة والكون ، بالرغم من أن هذا الشاعر لم يعلم شيئاً عن رسالة الإسلام ولم تكن الرسالة المحمدية قد نزلت على سيد الخلق محمد بن عبدالله محمد عليه افضل الصلاة والسلام وربما سمع الشاعر أو إطلع عن أخبار الرُسل الذين نزلت عليهم الكتب السماوية نتيجة لأن الشعراء يتجولون ويجوبون البلاد من أجل إنشاد الشعر ، فهذا هو الإيمان الفطرى بوجود الخالق الواحد الأحد .
ولو إنتقلنا إلى جانب كبير من العرب الذين عاشوا فى الجزيرة العربية قبل الإسلام ، نجد أن هناك من كان يصنع (الآلهة) من الحجر والطين وأحياناً من التمر (العجوة) ويٌحاول إقناع من حوله أن هذه هى الآلهة وعلينا عبادتها ليجعل منها تجارة رابحة ، وللأسف عندما يجوع ينقّض علي آلهته ويأكلها وهى من صنع يده ، أو عندما يغضب من آلهة الطين أو الحجر لأمر ما يقوم بتكسيرها وتدميرها .
وهنا أود القول … ربما تكون الجينات الوراثية تُلاحقنا مع تلك الثقافة التى قد نمت مع العقل العربى فى صنع الطُغاة وتأليههم لدرجة الألوهية وعبادتهم والعياذ بالله ، فمّن صنع دكتاتور العراق وسوريا وليبيا وغيرهم ؟؟ أليس البعض من العرب هم من ينحنون على أيدى حُكامهم وطغاتهم ليُقبلوها ويتمسّحون بها !! أليس العرب هم من يقبلون رؤوس طغاتهم من أجل نيل البركة وإستجداء الود !! أليس البعض من العرب من كانوا جلادين فى سُجون الطغاة الذين صنعوهم ثم أصبحوا بعدها سُجناء فى تلك السجون !! ألم يتحول سُجناء الأمس فى سجون الطغاة إلى طغاة اليوم وسجانين بعد التخلص من الطغاة بمساعدة أعداء أمة العرب !! ألم يصل البعض من الشعوب العربية إلى إقران أسماء حُكّامهم بإسم (الجلالة) !! . الم يستنجد العرب فى الأندلس بأعدائهم الأسبان ضد اشقائهم وأبناء جلدتهم ونسوا أن الأسبان كانوا يتحينون الفرصة لطردهم ، وفعلاً هذا ما حدث فهل نحن أغبياء لكى لا نأخذ الدروس من التاريخ ؟؟!!.
إرجعوا أيها السادة … الى تاريخ بعض الدول العربية وأرشيفهم المعاصر لما فيه من قصائد شعرية وفن وطرب وتهليل لتعرفوا كيف كان البعض فى الشعوب العربية يُمجّدون طغاتهم ويهللون لهم حتى يتمكنوا من شعوبهم ويهيمنون عليهم ويستعبدونهم وينتهكون حرماتهم ، ألم يقل أحد شعراء وطننا ليبيا للطاغية (يا عظيم الشأن) ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولكن بعد فوات الأوان ينقلبون أولئك الطبالون والرداحون والموالون على والكذابون طاغيتهم الذين عاهدوه على الطاعة العمياء إلى طلاّب للحرية والإنعتاق من الطغاة وينقسمون إلى أكثر من فئة فهذه ذيول الطاغية التى تبتعد قليلاً مؤقتاً من المشهد العام وتُمارس نشاطها خلسة وفى الظلام على أمل أن تعود بإلاه آخر يعبدونه !! وهذه الفئة التى تعتبر نفسها المٌخلصة المٌحررة بمساعدة الخارج تعتبر نفسها الحاكمة بأمرها !! وهذه الفئة الإنتهازية التى أول من يقفز على الكراسى وتلتصق بها إلتصاقاً وتباشر فى الإستيلاء على الثروات والمكاسب والمصالح الشخصية والعائلية والقبلية !! وهناك فئة أخرى تتحين الفرصة للبحث عن طغاة آخرين !! .
للأسف كل الطغاة من صنع الإنسان أو المواطنين كما يمكننا أن نُسميه ، يمكّنوهم من حكمهم على مدى عقود وعندما يستغولون عليهم ويستبيحون حرماتهم يستنجدون بأعدائهم لمناصرتهم على حُكامهم وطغاتهم ، وهى بداية لتحكّم طغاة من نوع آخر ؟؟ يستبيحون كل شئ أمامهم حتى الهواء ولن يستطيع أولئك الطبالون أن يتحرروا منهم لأنهم هم من جاء بهم وإعطائهم الفرصة فى حكم أوطانهم ، ألم يحن الوقت لكى نستفيد من التاريخ فى وطننا ليبيا ونتصدى من الآن لمن يريدون الإستيلاء على ثرواتنا وأرزاقنا وأعراضنا وأرضنا بمساعدة أعدائنا عرباً كانوا أم أجانب ، أم أن هناك من لا يوفق على هذا الرأى ؟ ، ولنا فى العراق عبرة لمن يعتبر ، وغداً لناظره قريب.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً