متصدرو المشهد يوحون لعامة الناس بأن إجراء الانتخابات ستكون بداية الحل لأزمة استفحلت، فأغرقت البلد في دوامة العنف، واقتصاد شبه منهار بعد القضاء على كافة المدخرات، البشر في بلادي مجرد كائنات حية تغص بها الطوابير المختلفة، علّها تتحصل على بعض حاجياتها التي أصبحت شبه كماليات، في دولة تصدر ما يربو على المليون برميل من النفط في اليوم.
الذين يتحكمون في مصير الشعب، وأسيادهم (لسنا على قائمة أولوياتهم)، يدركون تماما أن الانتخابات في حال إجرائها في ظل الظروف الراهنة، ستكون نتائجها صورة طبق الأصل عن الانتخابات السابقة وفي أفضل الأحوال تغيير طفيف في الوجوه، لكنها لا تختلف كثيرا في الرؤى، أي استمرار الأوضاع الحالية، لفترة تطول أو تقصر وفق رغبة القوى الاستعمارية.
المجتمع الدولي سيحاول وبكل ما أوتي من قوة، بأن يظل عملاءه في السلطة للاستمرار في استنزاف أموال الشعب وتدمير ما تبقى، لتكون فيما بعد كلفة الإعمار باهظة الثمن ولتذهب الإيرادات إلى خزائنه، لتشغيل مصانعه وتخفيض معدل البطالة لديه.
الدساتير عادة تكتبها الشعوب في حالة من الوئام والتوافق، لتكون معبرة عن تطلعاتها وتضع الأسس اللازمة لعلاقة الحاكم بالمحكوم (العقد الاجتماعي) والعلاقة بين مؤسسات المجتمع المختلفة، لئلا يكون هناك تداخل في السلطات، مشروع الدستور الحالي به الكثير من الغموض، وعديد الإشكاليات في بعض مواده ومنها العلم والنشيد وبعض حقوق الأقليات التي يراها البعض الأساس في تكوين دولة عصرية مدنية، وفي حال إقراره فإن تعديله يحتاج إلى وقت ليس بالقصير، ما يكبح حركة المجتمع نحو بناء دولته، وعليه يرى البعض عدم التعويل كثيرا على مسودة الدستور وتركها للتعديل إلى وقت لاحق عندما تتهيأ الظروف لذلك.
الانتخابات لن تكون ذات جدوى (بل وهم يعلق عليه الشعب آماله) إلا إذا سبقتها مصالحات شاملة تعم كافة المناطق، يقوم بها الخيرون من أبناء الوطن بمختلف شرائحه دونما استثناء فلكل دوره في العطاء والبناء، عندها وفقط سيُجبر العالم على احترام إرادة الشعب، ورفع الغبن عنه وإخراج البلد من البند السابع الذي يعامل البشر قصّر أو فقيدي الأهلية، الانتخابات العلكة التي يلوكها السادة ويتذوقها (يتبننها) العامة!.
الجماهير تدرك جيدا أنها تعرضت ولا تزال إلى زلازل وبراكين منقطعة النظير أتت على الأخضر واليابس، لما يمثله البلد من موقع إستراتيجي ومخزون هائل من مختلف المعادن، تفتح شهية المستعمر وتجعله يسعى بكل جهده للعودة ثانية، بعد التضحيات الجمة التي أخرجته صاغرا ذليلا يجر أذيال الهزيمة، ولكنه لم ييأس، يتصيد ذوي النفوس المريضة من أبناء الوطن لإحداث الخلخلة في مكونات المجتمع وبث الفرقة بينها متبعا سياسة فرق تسد، حيث سفراء الدول يملون شروطهم على ساسة البلد لأنهم ببساطة هم من نصبوهم أو ساهموا في الإبقاء عليهم، لا نقول زمن رديء فنلعنه، بل نحسبه امتحان نتمنى أن نجتازه في أقرب وقت ممكن، ورغم ذلك فإن الجماهير تتشبث بالقشة التي قد تنقذها من بحر إمواجه متلاطمة وتقذف بها إلى بر الأمان! وهي على أمل بأن يعي أبناءها الذين عملوا كأداة طيعة في أيدي الأعداء جسامة ما قاموا به من جرائم في حق المجتمع وأن يعودوا إلى رشدهم… إلى حضن الوطن الذي سيجدون فيه كامل الدفء والمحبة، فالوطن يغفر للأوابين المعترفين بذنوبهم، ليتشاركوا معا في بنائه على أسس سليمة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً