رغم ما يتمتع به الاقتصاد الليبي من الإمكانات المرموقة، التي تؤهله لتحقيق معدلات نمو كبيرة في المرحلة المقبلة، فإن الازدهار الاقتصادي في هذا البلد الغني يحتاج بالضرورة لاختراق سياسي يُنهي حالة الانقسام ويُعيد الثقة بالموارد الليبية والمؤسسات المشرفة عليها، ويفتح الباب أمام اصلاحات هيكلية تطال أساس هذا الاقتصاد الذي أنهكته الحرب.
وبحسب مؤشرات البنك الدولي التي ساقها العام الماضي حول ليبيا، فإن هذا الاقتصاد “يُظهر قدرة على الصمود رغم أن النمو الاقتصادي يعتريه الانخفاض وعدم الثبات”.
وشهد العام 2022 انكماشاً بنسبة 1.2 بالمئة في الاقتصاد الليبي، كان من أبرز أسبابه انخفاض إنتاج النفط، ويشير البنك الدولي إلى مستويات البطالة التي بلغت حوالي 19.6 بالمئة، في حين أن أكثر من 85 بالمئة من السكان النشطون اقتصادياً يعملون في القطاعين العام والاقتصاد غير الرسمي.
ووفقاً للخبراء المطلعون على التفاصيل، فإن السبب الأساسي وراء صمود الاقتصاد الليبي هو الإمكانات المالية الضخمة المتحققة من قطاع النفط مع عدد السكان البسيط مقارنة بالدول الأخرى، ما يحقق وفرة مالية تُمكن الحكومة من تقديم خدماتها رغم زيادة الإنفاق الحكومي، الذي يحتاج لتطبيق معايير الحوكمة الرشيدة.
وشهد العام 2023 استقرارا في إنتاج النفط، وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط أن الإنتاج الخام بلغ مليون و218 ألف برميل يوميًا، وأن إنتاج المكثفات بلغ 53 ألف برميل يومياً خلال نفس الفترة.
وتمتلك ليبيا احتياطيات كبيرة من النفط والغاز، ولديها بالتالي واحد من أعلى مستويات نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في إفريقيا.
ويتمثل التحدي الرئيسي أمام الخطط الاقتصادية الليبية بتنويع النشاط الاقتصادي بعيداً عن النفط والغاز مع تعزيز الجهود لتحقيق نمو أقوى وأكثر شمولا للجميع بقيادة القطاع الخاص، وإذا أحسن استخدام الإمكانيات المتاحة فإن النمو قد يصل لمستويات قياسية خلال فترة قصيرة و ربما يتجاوز 15 بالمئة .
وكان صندوق النقد الدولي قد أرجع أسباب النمو الليبي إلى ارتفاع أسعار الطاقة واستقرار قطاع النفط داخل ليبيا أخيراً.
وربما يساهم النمو الإقتصادي بدفع الاستقرار السياسي فالعوامل الاقتصادية ذات أثر في النتائج السياسية، وتساعد في عملية إعادة الإعمار التي تحتاج لعدة شروط تتمثل في، توافر الموارد الاقتصادية لإعادة الإعمار، والطريقة المتبعة لترسيخ الاستقرار وإرساء دعائم الأمن وهو ما يعد عنصراً مهماً لإعادة الإعمار، و ديناميكية العملية السياسية على الصعيد الوطني والإقليمي لصنع مقاربة الاستقرار والهياكل الاقتصادية القائمة، لجهة مأسسة القطاعات وفق أحدث السبل العلميةولابد من القول إن كل ذلك مرتبط بدور الدولة حيث أن عملية إعادة الإعمار الناجحة تتأسس من خلال بناء الدولة بشكل فاعل وتحقيق تعافي اقتصادي مستدام ومتوازن وطويل الأجل.
وتؤكد تقديرات البنك الدولي أنه “لولا الصراع لكان من الممكن أن يشهد هذا الاقتصاد نمواً مرتفعاً بنسبة 68 بالمئة على مدى السنوات العشر الماضية، وإن ضاعت الفرصة فإن الإمكانية لا تزال ممكنة التحقيق كما أنها تبرز الإمكانات الهائلة للبلاد”.
وتشير تقديرات البنك الإفريقي للتنمية، إلى نمو الاقتصاد الليبي بنسبة 3.5 بالمئة بنهاية 2022 وبنسبة 4.4 بالمئة في 2023 وهذا ناتج عن زيادة النفقات العامة على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، ومعظم هذه النفقات تحمل الطابع الاستهلاكي، في حين لا توجد هنالك خطة واضحة للتنويع الاقتصادي، إذ يعتمد التنويع الاقتصادي على عديد من الموشرات والمعايير، وذلك يتمثل في قاعدة المشاركة بين القطاع الخاص والعام التي تحتاج إلى إعادة تصميم وتنفيذ مشاريع مشتركة”.
ورغم ضخامة الإمكانيات فإن الاقتصاد الليبي يظل عرضه لعديد من الصدمات الخارجية، من أهمها صدمات أسعار النفط والغذاء العالمي، وتقلبات الوضع السياسي في بليبيا وخارجها ولذلك فإن ليبيا تجابه تحديات كبيرة، إلا أن لديها إمكانات واسعة كذلك من أجل إعادة الإعمار وتنويع الأنشطة الاقتصادية إذا حققت المطلوب عبر التوصل لاتفاق سياسي دائم و وضع رؤية مشتركة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي وإنشاء نظام حديث لإدارة المالية العامة من أجل تحقيق التوزيع العادل للثروة والشفافية في سياسات المالية العامة.
وختاما فإن فصل المقال لعودة ليبيا إلى المسار الصحيح اقتصاديا يقتضي بالضرورة توفير بيئة سياسية وأمنية مستقرة وتطوير القدرات المؤسسية وتعزيز سيادة القانون.
اترك تعليقاً