هذا المقـال عبارة عـن ترجمة لمقـال منشــور في منتـدى الشـرق الاوسط، عنوانه: لماذا خسر العرب الحروب، والذي شجعني على ترجمته هو ان اسباب الفشل العسكري كما وردت في هذا المقال لا تختلف كثيرا عن باقي الفشل الذي الما بنا في كل مناحي الحياة، وقد اختبرت بنفسي هذه الحقائق وراء فشلنا، لكني ما كنت قادرا ان اعبر عنها كما عبر عنها هذا الكاتب في مقاله هذا.
نورفيل دي اتكين، عقيد متقاعد في الجيش الامريكي، سبق له العمل لمدة ثماني سنوات في الشرق الاوسط، حيث اقام في لبنان والاردن ومصر، وتحصل عل درجة عليا في الدراسات العربية من الجامعة الامريكية ببيروت. ويعمل حاليا مدرب للجنود الامريكان المرشحين للعمل في بلدان الشرق الاوسط.
من اراءه حول الجيوش العربية، يقول: لم تكن الجيوش الناطقة باللغة العربية فعالة عموما في العصر الحديث. فقد كان اداء القوات النظامية المصرية سيئ جدا ضد جنود اليمن غير النظاميين في الحرب اليمنية سنة 1960. والسوريين تمكنوا بصعوبة من فرض إرادتهم على لبنان خلال منتصف 1970، ولم يثم لهم الامر الا بعد استخدامهم للاسلحة الفتاكة والمتعددة. وتعرت العراق في حربها ضد الجيش الإيراني، حيث ظهر خوائها في تلك الحرب وعدم كفائتها. وكان اداء القوات العربية على جانبي طرفي النزاع في حرب الكويت متواضع جدا ان لم يكن رديء. كما ان الحروب التي خاضها العرب ضد اسرائيل لم تكن بافضل حال. والسؤال: ما سبب هذا السجل المتواضع والهزيل لاداء الجيوش العربية؟ يمكن اعاز هذا الامر للعديد من العوامل كالعوامل الاقتصادية والفكرية والتقنية، ولكن لعل أهم العوامل يعود الى علاقة الاداء بالثقافة وببعض السيمات الاجتماعية التي منعت العرب من إنتاج قوة عسكرية فعالة.
من البديهي ان تفرز الحياة العسكرية جيش متدرب قادر على القتال، لذلك أود اولا أن أشير الى نتائج مراقبتي لسنوات عديدة وعن قرب للتدريبات التي تنتهجها الجيوش العربية حتى استخلص الاستنتاجات حول السبل التي تؤهل هذه العساكر في الذهاب إلى القتال. الانطباعات التالية مستمدة من تجربة شخصية مع المؤسسات العسكرية العربية بصفتي ملحق عسكري ومسؤل امني للولايات المتحدة الامريكية، وضابط مراقب لدى بريطانيا، زد على ذلك دراستي لمنطقة الشرق الأوسط لثلاث عقود متتالية.
بدايات فاشلة:
ادماج الثقافة في التقييم الاستراتيجي يتميز بفقر الميراث، لانه كثيرا ما يكون منسوجا من خميرة الجهل السيء والتمني و الأساطير. وبالتالي، فقد اساء الجيش الأميركي في عام 1930 تقييم الطابع الوطني الياباني، ضانا منه ان هذا الطابع يفتقر إلى الأصالة، وبالتالي اخطاء الجيش الامريكي في استنتاجاته بان اليابان ستكون متأخرة بشكل دائم في مجال التكنولوجيا. كذلك فعل هتلر حين اعتقد ان التركيبة السكانية الهجينة للولايات المتحدة ستقلل من شأن اسهام أميركا في الحرب.
تشير هذه الأمثلة، الى ان ادخال العنصر الثقافي لمجتمع ما في حساب نقاط القوة والضعف النسبية لقواته تؤدي بالضرورة الى استنتاجات مشوهة، خصوصا عندما تكون المسألة متعلقة بفهم كيف يمكن، لدول غير مستعدة للدخول في حرب، كيف يمكن لها ان تندفع لجبهات القتال وبكل ثقة. إعاز السمات الثقافية للدولة العدو يغري بنفي تفوقه الكمي والنوعي، او يعمل عكس ذلك ان ثم النظر الى ثقافة الدولة العدو من زاوية تفوقها الثقافي.
في الحرب الفيتنامية، افترض صناع الاستراتيجية الأمريكية أن عتبة الألم عند الفيتناميين الشماليين تقترب من عتبة الالم عند الامريكان، وحيث ان لامريكا قدرة جوية هائلة، فكان من المتوقع أن يؤدي القصف الجوي في الشمال الفيتنامي إلى تركيع فيتنام، الا ان هذا لم يحصل. وقد حدث نفس الامر مع الصرب، حيث كان يُعتقد أن ثلاثة أيام من الهجمات الجوية تكفي لانهاك الصرب، لكن كان الواقع مخالف تماما لتوقعات الاستراتيجية الامريكية، حيث احتاجات العملية العسكرية الى ما يزيد عن الشهرين من القصف المتواصل.
من الخطورة بمكان أن تقرر جملة من الافتراضات السهلة حول القدرات القتالية للعدو، وان تكون هذه الافتراضات مبنية على أساس اداء العدو في حروبه الماضية، فتطور المجتمعات يرافقه تطور موازي في ثقافته العسكرية. وقد قاد الأداء السيئ للقوات الفرنسية في الحرب الفرنسية البروسية عام 1870 الى افراط القيادة الألمانية العليا في تفاؤلها لكسب المعارك ضد الفرنسيين قبيل الحرب العالمية الاول. بينما ادت مثابرة وشجاعة الجنود الفرنسيين في الحرب العالمية الأولى الى اعتقاد الجميع، بمن فيهم ونستون تشرشل وكذلك القيادة الألمانية العليا، إلى المبالغة في تقدير القدرات القتالية للجيش الفرنسي. وقد قلل جنرالات إسرائيل من قدرات الجيش المصري عام 1973، وتم تقيمهم للمصريين على أساس أدائهم المتردي في حرب 1967.
من الصعب تحديد الثقافة وحصرها، فهي ليست مرادفا لجنس الفرد أو هويته العرقية. تاريخ الحروب يسخر من محاولات تعيين سمات جامدة لثقافة ألافراد، هذا الامر يتبين بوضوح من خلال دراسة التاريخ العسكري العثماني والتاريخ العسكري الروماني. في كلتا الحالتين، العثمانية والرومانية، كان التدريب والانضباط وروح العمل الجماعي والهمة هي الادوات التي خلقت الفرق في الاداء، وليس كما قد يتصور البعض ان الاداء يعود الى الاصول العرقية للافراد المنتسبين لصفوف الجندية. الانضباطية العالية في صفوف الجحافل الرومانية والاداء المتميز على سبيل المثال اكتسبه افراد تم تجنيدهم من جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية، اي كانو ينتمون الى اعراق مختلفة، وكانت الإنكشارية العثمانية مكونة من العبيد المسيحيين الذين ثم تجنيدهم قسرا من دول البلقان.
دور الثقافة:
على الرغم من هذه الحقائق، تضل الثقافة جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار في التقييم. في الواقع، ينبغي إستعاب الاخطاء السابقة، إذ ان عملية إستعابها يجعل من الممكن تقييم دور العوامل الثقافية في الحرب. يعتقد جون كيغان، مؤرخ الحرب البارز، ان الثقافة هي المحدد الرئيسي لطبيعة الحرب. وعلى النقيض من الطريقة المعتادة للحروب الأوروبية التي أسماها حروب المواجهة “وجها لوجه”، يصور كيغان الجيوش العربية في وقت مبكر من العصر الإسلامي باعتبارهم سادة الفر والتباطي والمناورة. دراسة الحروب العربية في هذا القرن يؤدي إلى استنتاج مفاده أن يظل العرب أكثر نجاحا في التمرد أو الحرب السياسية التي يصفها لورنس في عبارة “كسب الحروب من دون معارك.” حتى معركة العبور في عام 1973 المصرية التي أشاد بها كثيرا انطوت في جوهرها على خطة خداع بارعة. ربما تكون هذه الصفات التي تبدو وكانها دائمة، ناجمة عن ثقافة التقية وانعدام الثقية في العلاقات الشخصية.
وعلى نفس الخط، خلص كينيت بولاك في دراسة مستفيضة له عن الفاعلية العسكرية العربية، خلص فيها الى وجود انماط معينة من السلوك الذي تعززه الثقافة العربية السائدة، ساهمت هذه الانماط السلوكية في الحد من فاعلية الجيوش العربية وقواتها الجوية في الفترة بين العام 1945 الى 1991. هذه الصفات شملت: المركزية المفرطة في القوات العسكرية، غياب روح المبادرة وعدم تشجيعها، الافتقار للمرونة، التلاعب بالمعلومات، وعدم تشجيع ملكة القيادة على مستوى صغار الضباط.
ان الانتقادات التي تعرضت لها فكرة صموئيل هنتنغتون في كتابه “صراع الحضارات” لم تقلل من النقطة الحيوية التي اثارتها فكرته ، التي تقول: إن الثقافة أو الهويات الثقافية، والتي هي على المستوى العام، هويات حضارية، هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في العالم وليس الانقسامات السياسية والاقتصادية. هذه الفكرة اساءت الى بعض الاكادميين الذين اقترحوا تقسيم العالم حسب الطبقة والعرق والجنس، هذه الحقيقة لم يقلل من شأنها الاتصالات الحديثة.
ولكن كيف يمكن للمرء دمج دراسة الثقافة في التدريب العسكري؟ في الوقت الحاضر، لا يمكن الحديث عن أي دور للثقافة في التدريب العسكري. غير ان بول بلبوتوسكي، الباحث في العلوم العسكرية والعضو السابق في قوة دلتا الأميركية، قد ذكر بإيجاز ما يعتقده نواقص في نظام التربية العسكرية الامريكية حيث اشار الى ان: “الثقافة، المكونة من كل ما هو غامض وغير ملموس، لم تكن في العموم عنصر مكمل في التخطيط الاستراتيجي إلا على المستوى السطحي لها”. ومع ذلك تضل بالضبط “هي كل ما هو غامض وغير ملموس” القادرة على تعريف وفهم الصراعات المتدنية في حدتها. فالشيوعيين الفيتناميين لم يخوضوا الحرب التي تدربت الولايات المتحدة لها، كما لم يخوض الشيشان والأفغان الحرب التي أعد الروس لها. إذ ان الحرب تنطوي على أكثر بكثير من مجرد إعادة تجهيز الاسلحة وإعادة تدريب الجنود، لذلك فهي تتطلب فهم الثقافة الأسطورية للعدو، وفهم تاريخه وموقفه تجاه الوقت، وما إلى ذلك. وفي العموم يتطلب الامر المزيد من الاستثمارات الكبيرة في الوقت والمال عوضا عن التنظيم البيروقراطي.
وإذ أضع في الاعتبار السير في حقل من ألغام أخطاء الماضي والحساسيات الثقافية الحالية، سأقدم بعض التقييمات لدور الثقافة في التدريب العسكري للضباط الناطقين بالعربية. وسأقتصر أساسا على التدريب وذلك لسببين:
أولا: لقد تسنى لي مراقبة العديد من التدريبات العسكرية العربية، في حين لم اشاهد الا حملة عسكرية واحدة، هي حملة الجيش الاردني ضد منظمة التحرير الفلسطيني عام 1970.
ثانيا: المعارك العسكرية اثناء التدريب محكومة بعادات زمن السلم وسياساته واجراءاته، ولا تقع تحت ظرف التغيرات المفاجئة فتعمل على تغيير المدنين في الزي العسكري الى مقاتلين. وقد كان القائد جورج باتون مولعا بقصة يوليوس قيصر الذي كان يدرب قواته في فصل الشتاء على كل ما يجعل منهم مقاتلين معتادين على حسن اداء واجباتهم ، فإذا دخل الربيع امرهم بمحاربة الاغريق، ولم يكن في حاجة لاصدار اوامر قتالية لهم لانهم كانوا يعرفون بحكم العادة التي اعتادوها ما الذي يجب عمله وكيف يتم القيام به.
يتبع …………
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً