وهنا سأعاود إلى سابق القول، لتوضيح ما سيأتي في الآتي من السطور، بأن هذا البون الفاصل ما بين المقاربتين الذي ينهض على اختلاف منطلقات أحدهما عن الأخرى، سيدفع بمن منهما اعتمد في مقاربته للاستعصاء الليبي على أن ليبيا واقع جغرافي ديمغرافي ثقافي بالفضاء الدولي لحوض المتوسط، وكيان جغرافي ديمغرافي ثقافي بالفضاء الإقليمي لشمال غرب إفريقيا، ومكوّن جغرافي ديمغرافي ثقافي أساسي بالفضاء المغاربي، سيجعل ممن نهضت استخلاصاته على هذا الأساس أقرب من غيره إلى التعاطي مع هذا الجغرافي الديمغرافي الثقافي كوعاء وطني ليبي لسُكانه من الليبيين، وبهذا سوف تأتي كل أساليب تفاعله في تعاطيه مع الشأن الليبي مستندة على هذه القاعدة وهذا المبدأ، فمثلا وكما أسلفنا عندما ذهب هذا التوجه المحلي نحو التعاطي مع نشاط استخراج وإنتاج النفط والغاز بليبيا، لم يضع عراقيل أو موانع في طريق عملية الاستخراج والإنتاج، غير أنه سعى إلى ربط إيرادات النشاط وعائداته المالية بضبطه، لابعادها عن أيادي الفساد التي قد تُحرفها نحو غايات ضارة، كأن تكون هذه العائدات موّرد يُغدي النشاط المليشياوي الضار بالفضاء المحلي الليبي، أو ينتهي إلى يد بعض التشكيلات الراديكالية التي تجوب جغرافية دول جنوب الصحراء، أو تنتهي هذه العائدات كما أشارت بعض التقارير المحلية المسؤولة وتقارير إقليمية ودولية وأممية أخرى، وعلى أيادي الفساد إلى تجّدير هذه الظاهرة وتعميقها في الفضاء المحلي الليبي ومحيطه الجغرافي القريب.
ولهذا واستناداً على هذا، نجد هذا التوجه المحلي الليبي، سوف تأتي جميع مفردات تعاطيه مع مفهوم تحّيد نشاط إنتاج النفط والغاز على أنها عملية شاملة تلامس كل جوانب مراحل الإنتاج من الاستخراج والتسويق وحتى تصّريف العائد من الإيراد، ولا تقف هذه المفردات على نحو انتقائي مبتور عند الإنتاج والتسويق وفقط بحجّة أن على الليبيين وحدهم وليس على غيرهم تقع مسؤولية إدارة وضبط وترشيد عائدات إيرادات نفطهم، وهذا صحيح وفقط عندما تُرفع عنهم يد الوصاية التي منحها البند السابع من سردية الهيئة الأممية للمندوب الإنجليزي داخل مجلس الأمن، من خلال تكليفه بإدارة وتصريف شؤون الملف الليبي داخل قاعات وأروقة الأمم المتحدة وخارجها.
في المقابل، يذهب هذا الاختلاف بمَن جاء إلى داخل مشهد الأحداث بليبيا عبر ممرات وقاعات مؤتمر الصخيرات، واستندت مقاربته على توجهات المؤتمر واتكأت على الشرعية الدولية كأداة داعمة ومساندة له، وأيضا كشاطب وهادم ومقوّض للتفويض المحلي الوطني الليبي الممنوح للبرلمان وأعضائه.
هذه الشرعية الدولية ليست غير ابنة شرعية للترتيبات الدولية الراعية لمؤتمر الصخيرات، وهذه الترتيبات الدولية لا سواها هي لا غيرها من اجترح في الماضي البعيد أثناء ومع نهاية الحرب العالمية الأولى مسمى الشرق الأوسط لتُجلبب به الفضاء الجغرافي لجنوب وشرق المتوسط وامتداداته في العمق الآسيوي، كمسمى بديل سيُعّرف ويُعّرف به في ما بعد.
وإذن، ليس من الغريب – والحالة هذه – أن تنهض مقاربة هؤلاء للحالة الليبية على أن ليبيا مفردة ولبِنة في بنيان الشرق الأوسط، وبهذا التصنيف تكون ليبيا لديهم ليست غير بقعة تختزن في جوفها احتياطي نفطي كبير يُقدّر بملاين البراميل أو أكثر، أو أنها – أي ليبيا – تحتل موقع جغرافي جيد يمثل نقطة تمفّصل هامة سلما أو حربا بالفضاء الجيوسياسي للشرق الأوسط.
وعلى هذا الأساس الذي تنهض عليه مقاربتهم للحالة الليبية، ستُبنى كل أساليب تعاطيهم مع الشأن الليبي، وبالتالي ليس من محل للاستغراب في حصرهم، عملية تحيد وإبعاد نشاط إنتاج النفط والغاز، وقصّرها من طرفهم على عمليتي الاستخراج والتسويق وفقط، فهم لا يتعاطون مع ليبيا كوعاء جغرافي للكيان الليبي والليبيين، بل إنها ليست غير مفردة بكيان الشرق الأوسط، وبهذا فهي ليست سوى بقعة بداخل فضائه الجغرافي يحتوي جوفها على مخزون هائل من النفط والغاز يجب على كيان الشرق الأوسط استخراجه وتسويقه بما يتوافق مع مصلحة وتوجّه عرّابه، كما جرت العادة على مدى عقود طويلة من الزمان.
وهنا يجب التأكيد، بأن لدورة الحياة أثر وتأثير على كل فضاء اجتماعي من ناحية ارتفاع منسوب الوعي لدى فضائه السكاني، مما يفرض على كيان الشرق الأوسط أن يَتَكّيف مع الواقع الجديد، بتكّيِف نفسه معه، ويعمل ويجتهد على موائمة نفسه مع متطلبات حياة هذا الجديد من خلال الدفع بكيانه الشرق أوسطي نحو مشاركة إيجابية بنائه، يوظفها في خدمة التأسيس لأمن واستقرار دوليين يعم هذا الفضاء الحيوي لجنوب وشرق المتوسط، وهذا السلوك ليس بالغريب والجديد على الحياة بل هو وجه من وجوه التعاطي الإيجابى مع سننها، إن أراد هذا الكيان المحافظة على ديمومة بقائه واستمرار وجوده على وجه الحياة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً