انتهى الحديث عن الربيع العربي باعتباره “هبة من الله”، فحتى إيران بدأت تشعر بالقلق هي الأخرى من العواقب التي يسببها انهيار نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، الذي ظل من أذرع طهران في المنطقة لفترة طويلة.
واعتبرت صحيفة الـ “نيويورك تايمز” أن سقوط نظام الأسد سوف يؤدي إلى وضع حد لأهم وآخر موضع قدم لإيران في العالم العربي، ومنفذها على البحر الأبيض المتوسط.
هذا السيناريو سوف يؤدي إلى تحقيق هدف التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة، وفك التحالف الذي دام لعقود بين طهران ودمشق، كما أنه سيقوض دور إيران كدولة راعية للثوار في الشرق الأوسط، وهو هدف تسعى لتحقيقه الدول العربية المعتدلة والولايات المتحدة منذ مدة طويلة.
وقد ألقت حركة حماس، التي تعتمد على سوريا وإيران منذ فترة طويلة، بثقلها خلف السوريين في الشوارع سعياً إلى إسقاط نظام الأسد.
لكن ما هو أسوأ قد يحدث من وجهة نظر طهران، فحزب الله، الذي يعد آخر حليف ثوري لإيران وسوريا ويتمتع بنفوذ كبير في لبنان، سوف يخسر واحدة من أهم الجهات التي تزوده بالسلاح والمال، وقد يتداعى التوازن الطائفي الهش في لبنان، مما يزيد من خطر نشوب حرب أهلية أخرى.
وفي رد سريع على أسوأ يوم للنظام السوري حتى هذه اللحظة، أكد حزب الله يوم الأربعاء في أقوى تصريح له عدم تخليه عن الأسد. وقدم حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في خطاب متلفز مساء الأربعاء، التعازي لمقتل ثلاثة من كبار المسئولين السوريين في بداية ذلك اليوم.
“المسئولون السوريون الذين قتلوا بدمشق شهداء ورفاق سلاح في طريق مواجهة العدو الإسرائيلي، ونحن على ثقة من أن الجيش العربي السوري، الذي تحمل ما لا يطاق لديه من القدرة والقوة والعزم والثبات ما يمكنه من الاستمرار، ولديه من القيادات الكثير مما يمكنه من أن يسقط كل آمال الأعداء” قال نصر الله.
وأضاف أن الأسد ونظامه كان له الفضل في النصر الذي حققه حزب الله في حربه ضد إسرائيل عام 2006 في لبنان (حرب تموز)، وفي إنقاذ غزة خلال الغزو الإسرائيلي للقطاع عام 2009.
وقال: “إن أهم الأسلحة والصواريخ التي قاتل بها حزب الله إسرائيل عام 2006 مصدرها سوريا ومن الصناعة العسكرية السورية. ولا يقتصر ذلك على لبنان فحسب، بل يشمل غزة أيضاً”، متسائلاً: “هذه الصواريخ، هل أوصلتها السعودية أو مصر إلى غزة؟ لا، انها صواريخ من سوريا”.
ونقلت الصحيفة عن واز جرجس، مدير مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد، قوله إن خطاب نصرالله كان قوياً مفاجئاً، مشيراً إلى أن «نصر الله أوضح وجود صلة مثل الحبل السري بين النظام السوري وحزب الله، وأن هذا الحبل وجودي، فهم كما قال رفاق سلاح”.
لطالما كانت إيران مخلصة في دعمها لسوريا، فهي لا تزال تزود الأسد بالدعم الاقتصادي والشعبي، وربما العسكري أيضاً. لكن يقلق البعض في إيران من الموقف المحرج الذي يوضع فيه كل من يدعم الأسد في مواجهة ما يبدو ثورة شعبية واسعة النطاق.
وقال ما شاء الله شمس الواعظين، محلل لشؤون الشرق الأوسط مقيم في طهران: “نحن ندعم بعض الثورات ونتجاهل البعض الآخر. لم تعد الشعوب العربية تصدقنا، فنحن نظهر كخصوم مناوئين نسير وفقاً لأجندتنا السياسية الخاصة”، مشيراً غلى أن الثورة الإسلامية التي اندلعت عام 1979 كانت تعتبر مثالاً يحتذى به في المنطقة، لكن الثوار في العالم العربي يتطلعون الآن إلى مصر وتجربتها الديمقراطية في مجتمع إسلامي.
وأضاف شمس الواعظين: “بدلاً من اكتسابنا لنفوذ، نشهد الآن صعود دول قوية جديدة يمكن أن تمثل تحديا لنا في المستقبل.
وبدأت قيادات حركة حماس، التي تمتعت بمنفى آمن في دمشق ودعم عسكري من إيران، منذ شباط/فبراير الماضي وبدأت بالتوجه إلى قطر وملاجئ أخرى، معلنةً عن دعمها للثوار السوريين.
وفي الوقت الذي تتعثر فيه إيران بسبب ما تواجهه من أضرار اقتصادية جراء العقوبات الغربية، أثبتت كل من قطر والسعودية أنهما حليفتان أكثر نفعاً وامتلاكاً للقدرة المالية.
“حاول نصر الله بخطابه أن يجعل الأمر يبدو وكأن شيئا لم يحدث، وكأن ثورات الربيع العربي لم تقم”، يقول سامي نادر، محلل وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة سانت جوزيف في بيروت.
وأضاف: “يعد هذا أهم تحول في تاريخ العالم العربي، ويثبت عدم وجود أي تعارض بين الإسلام والديمقراطية”.
أما سركيس نعوم، كاتب عامود في صحيفة “النهار”، فاعتبر أن “الخطاب كان بمثابة اعتراف باعتماد حزب الله الكامل على بقاء نظام الأسد. إنه يخبرهم بأنه لن يتخلى عن الأسد، وأنه بحماية الأسد يحمي حزب الله ونفسه ومجتمعه، وأيضاً المصالح السورية والإيرانية”.
وقال نعوم إنه يشعر بالقلق مما يمكن أن يحدث في لبنان في حال انهيار نظام الأسد أو تزايد وتيرة الحرب الطائفية.
وقد شهد شمال لبنان بالفعل مواجهات بين علويين وسنة، وامتنع حزب الله عن القيام بأي فعل يهدد بنشوب صراع، لكن نعوم يعتقد بأن ذلك قد يتغير، مشيراً غلى أنه “إذا شعر حزب الله بأن الفوضى في سوريا أو حتى انهيار نظام الأسد يمثل له تهديداً، سوف يتخذ موقفاً داخل لبنان على الأقل بشل حركة الذين يتعاونون مع الثوار، خصوصاً في الشمال”.
وأضاف: “حزب الله خاسر في الحالتين، سواء ظل في الجانب الذي ينظر إليه أكثر العرب على أنه الجانب الخاطئ من التاريخ، أو تخلى عن حليفٍ يربطه بباقي العالم الشيعي، ووجد نفسه منعزلاً”.
ونقلت الـ “نيويورك تايمز” عن شمس الواعظين قوله: “لقد كنا نحظى بشعبية منذ بضع سنوات، لكن قراراتنا الأخلاقية سببت أزمة لنا. لقد كنا نأمل أن تدير المنطقة ظهرها للولايات المتحدة، لكن ينبغي حالياً أن نحرص على ألا تدير ظهرها لنا”.
اترك تعليقاً