يتناقل غالبية المتابعين تقريرا صحفيا عن إيرادات النفط السعودية التي تقترب من حدود 175 مليار دولار خلال أقل من سبعة أشهر ، ويتساءلون عن ماهية هذه الايرادات وكيف وصلت الى هذا المستوى الكبير، وعن الطريقة التي من الممكن أن يستفيد المواطن من تلك الايرادات الضخمة، بالاضافة الى التناقضات في خطط التنمية للمملكة التي تسعى ورقيا في تقليل معدلات البطالة وعدم الاعتماد على النفط كمورد رئيس، في المقابل نجد أن الارقام الفعلية عكس ذلك تماما.
إنتاج المملكة من النفط
يبلغ انتاج المملكة اليومي 10 مليون برميل تقريبا وطاقتها الانتاجية تصل الى 12 مليون برميل، ويبلغ استهلاكها المحلي حوالى 2.5 مليون برميل حسب اخر الاحصائيات الواردة من تقارير شركة ارامكو السعودية، يقابل ذلك ارتفاع في الطلب العالمي للنفط منذ 2008، وخصوصا من الصين والهند الاقرب جغرافيا للمملكة، والاكثر استهلاكا للنفط، ومن أكثر الدول تصديرا للمنتجات الصناعية المختلفة لشتى دول العالم، ويمكن وصف المرحلة الحالية التي تمر بها المملكة مرحلة انتعاش وزيادة كبيرة في الايرادات النفطية، يجب ان يصاحبها تطبيق متمكن لخطط تنمية طموحة، وانفاق حكومي كبير، عطفا على استثمارات طويلة الاجل وزيادة الاحتياطات النقدية.
ويصف أغلب الاقتصاديين أن تكاليف استخراج النفط في الارض السعودية من اقل التكاليف في العالم، وهذا ما يحفز لزيادة صافي الدخل بالاضافة الى أن المملكة من الممكن أن تحقق إيرادات معقولة حتى في حالة انخفاض اسعار النفط إلى أقل من المستويات الحالية.
ويفترض بعض الاقتصاديين أن اسعار النفط هبطت إلى النصف تقريبا ووصلت الى 50 دولاراً للبرميل الواحد نتيجة لتدني مستوى الطلب العالمي والظروف المحيطة، فإن المملكة ستستمر في حجم انتاجها اليومي الحالي نتيجة لتدني تكاليف الانتاج بعكس الدول الاخرى التي من الممكن أن تخفض إنتاجها اليومي بسبب ارتفاع التكاليف، والرغبة في أن يتم استثمار الاموال في غير النفط وابقائه في باطن الارض اذا تم النظر لها من ناحية تكاليف وايرادات، في هذه الحالة سيقل المعروض النفطي في العالم وبالتالي يزيد الطلب على النفط فيرتفع السعر مرة أخرى، واكثر الدول المستفيدة هي السعودية.
قيادة سوق النفط
من الناحية السياسية، فإن المملكة عادة ما تكون قائد في سوق النفط ، أي أنه في حال انخفاض المعروض النفطي في العالم نظرا لوجود أحداث سياسية أو حروب أو صراعات قد تحول دون بعض الدول المنتجة من استكمال انتاجها ، فإن المملكة تقوم باستغلال طاقتها الانتاجية الغير المستغلة التي ذكرت سابقا المقدرة بـ2 مليون برميل تقريبا لسد احتياجات السوق النفطي في العالم، أو يتم اللجوء الى المخزون الاستراتيجي وذلك في أحلك الظروف.
المملكة في الوقت الحالي لا تواجه خطرا اقتصاديا أو سياسيا متعلقا بالعملية الانتاجية، ولكن المشكلة تكمن في المدى الطويل حينما يتم ايجاد بدائل للنفط كما يحدث في الدول المتقدمة، أو الوصول لمرحلة بدء النضوب وبالتالي يقل الانتاج اليومي وهو أمر قد لا يحدث قبل 40 سنة من وقتنا الحالي، ولكن من الناحية الاستراتيجية فإن الاعتماد الكلي على النفط قد يشكل خطرا للأجيال القادمة، وهو ذات الأمر الذي عانت منه المملكة في أواخر التسعينيات حينما تراكم العجز في الميزانية لسنوات متعددة، وزادت معها معدلات البطالة الى مستويات عالية، حينما انخفضت اسعار النفط الى مستويات متدنية.
خطط التنمية والية التطبيق
ولكن في الوقت الحالي ترتفع معدلات التوظيف أعلى بكثير من السابق، وهناك فرص وظيفية متعددة للخريجين، وتبقى المسألة متعلقة بأمور اجتماعية ونفسية لطالبي العمل، وليست اقتصادية، كاختلاف الرغبات المكانية، وطبيعة العمل وغيرها.
اضافة الى ذلك، فإن الحكومة مؤخرا بدأت بتطبيق اعانة الباحثين عن العمل (حافز) لأول مرة، بغض النظر عن الآلية التي تتم بها، الا أنها تدل وبشكل واضح أن هناك توجه قوي لحل مشكلة البطالة التي تتعدد مسبباتها وكذلك حلولها.
في حين أن إعتماد المملكة على النفط ما زال يحقق معدلات عالية ، فالصادرات النفطية تشكل ما نسبته 70 % من اجمالي الصادرات، والايرادات النفطية تستحوذ على 90 % من الناتج المحلي الاجمالي، وعلى العكس تماما فإن خطط التنمية للمملكة والتي تعدها وزارة التخطيط تنص على ضرورة تقليل الاعتماد على النفط كمورد رئيس للمملكة، ولكن الوزارات المختلفة والادارات الحكومية ذات العلاقة لا تطبق الخطط بشكل كامل وسليم، بالاضافة إلى أن ثقافة الفرد السعودي لم ترتق ِ إلى مرحلة الانتاج والمشاركة فيه، بل مرحلة التلقي والاستهلاك فقط.
اترك تعليقاً