إن الإنسان كُرّم بالعقل فهو زينته وميزته ورفعة له عن غيره فإذا عُطّل العقل عن القيام بوظائفه وعميت الأبصار إختلط الأمر على الإنسان ولم يعد يبالي بحقائق الأمور ولا يهتم ولا يكلف نفسه بالبحث عنها وصار حبيس أهوائه ومصالحه التي تصبح محور حياته فيكاد كل عمل يقوم به هو أسير الأهواء والمصالح فيطوّع الأحداث التي يعيشها وفق ذلك وقد يشمل ذلك ويمتد إلى العلاقات الإجتماعية التي ستصبح رهن المصلحة والهوى وتضمحل بذلك القيم الأخلاقية والإجتماعية عند هؤلآء فيتعامى ويُحرم هؤلآء التمتع بفضيلة الحق واتباعه هذا التمتع الذي لا يرقى إليه إلا النقي، هذا التمتع الذي لا يدرك بالغنى ولا بالمنزلة ولكنه يدرك بالصفا.
يؤلمني جدا أن ينبري عدد من علماء الدين والدعاة والوعاظ للدفاع عن الظلمة ويسوّقون لهم بشتى الطرق ويتجاهلون قضايا الظلم الذي يمارسونه ومن حولهم واستخفافهم ببقية الناس من قبيل التصرف الكامل بمقدرات الدول وأموالها وإنفاقها في غير أوجه الحق وفي ترفيه على أنفسهم وتبدير يرقى إلى درجة الحرام متجاهلين وغير مكترثين بما يعانيه الناس من ضنك وضيق شمل مناحي الحياة المختلفة التي تمس حياة المواطن اليومية من صحة وتعليم ورواتب ومواصلات وحتى رغيف الخبز الذي أضحى عند كثير من أفراد شعوبنا مطلب غير سهل المنال فينسى أو يتناسى هؤلآء العلماء والشيوخ آلام المواطن وأحزانه ويتركونه ليموت جوعا وكمدا وقهرا وحسرة ولكن هؤلآء لا ينسون أبدا تأييد الظالم ومؤازرته وتقديم الفتاوى التي توافق هواه والدعاء له بالتثبيت والتوفيق، عجبي !!! التوفيق على ماذا؟ لا أدري، هل هو على خيبته أم على إهدار المال العام أم على التخلف الذي نعيشه أم على فشله الذريع في انتشال البلاد من التخلف أم على العمالة والتفنن في تقديم الدعم لأعداء الأمة أم على قتل الشرفاء الوطنيين من أبناء الوطن والزج بكل من يتكلم أو يهمس ببنت شفة في السجون أم على ألوان التعذيب الذي تقشعر لها الأبدان يلاقيه المساجين من أبناء هذه الأمة بغير رحمة وغيرها كثير أفعلى هذا ندعوا للحاكم بالتوفيق والتثبيت!!! أم على إفقار وتجويع الشعوب ندعوا لتثبيت الحاكم أم على العار الذي لحق بنا أمام الأمم ندعوا لهم بالتثبيت والتوفيق، عجيب أمرهم ماذا سيقول هؤلاء لرب العزة يوم سيسئلون عن قول الله تعالى: “وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ” هود: 113. فهناك فرق كبير بين الخوف من البطش والسكوت عن الحق خوفا وبين مناصرة الظالم وتأييده وتبرير أفعاله المشينة بطرق ووسائل مختلفة.
ولا شك أن الوقوف بجانب الظالمين لا يقتصر على بعض العلماء والدعاة والخطباء ولكنه يشمل فئات كثيرة من مجتمعاتنا فكلٌ يغنّي على ليلاه فمنهم من يرى مصلحته في بقاء الظالم فهو مرتبط به يغنّي له ويسبح بحمده لا يرفض له أمرا ويزين له ظلمه وجبروته ليوهمه أنه على حق بل يقلب الباطل حقا بإيهامه أنه ناصر المظلومين من أبناء الأمة ويقف معهم وبجانبهم وترى بأم عينك كثيرا منهم على شاشات الإداعات المرئية وغيرها من الوسائل الإعلامية فهؤلاء أعمت مصالحهم بصائرهم فلم يعودوا يدركون الحق ولا يفرقون بينه وبين الباطل فكل الذي يرونه حجم ما يحققون من مكاسب ولو على حساب الآخرين ولو على حساب الوطن فمن عميت بصيرته لن يدرك شيئا من الفضائل بل يعدّها من الرذائل لأنها ببساطة قد تتعارض مع مصالحه ولازلت أذكر حين كنت مع أحد الزملاء في انتظار مقابلة رئيس الجامعة فأخذت أتحدث إليه عن الإصلاح وتنظيم وتطوير الجامعة والبلاد فقاطعني قائلا: لا، نحن نريدها هكذا فإذا تنظمت الأمور سنضيع نحن ونفقد مصالحنا ولن يكون لنا مكانا، فدعها وشأنها !!!
ألا يدرك المدافعون عن الظالمين أنهم سيسألون عن كلماتهم ومجتمعاتهم وشعوبهم وعن أمانتهم وعن دينهم فيما استعملوه ولماذا؟؟؟ إنها أسئلة كبيرة من رب العزّة فالله جل جلاله يقول: “وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ” الصافات: 24 إنه تنبيه بل وتهديد لكل أنواع الظالمين وأعوانهم عموما كما ورد في الآية فلن يجد هؤلآء برهانا ولا دليلا يدافعون به عن نصرة الظالمين بشتى الأوجه وتزيين لهم أعمالهم وتركهم عامة الناس المظلومين يموتون حسرة على ضياع حقوقهم بل يطالبونهم بالصبر على الظالم!!! فأي فهم معكوس هذا لآيات الله ؟؟؟
لقد ضاعت الأمة بفقدانها العدل، فالعدل ميزان الأمم فإذا أختل الميزان إختلت الأمم ولم يعد لها توازنا يذكر وإذا فقد العدل وساد الظلم وكثر مناصريه فقد الناس حقوقهم وانتشر الفساد وطغى المفسدون وصاروا وجهاء القوم أصحاب كلمة في المجتمع فانقطعت عرى المحبة والمودة والتراحم بين الناس. إن رفع الظلم هو مفتاح الأمن والسلام الإجتماعي مجتمع رحماء بينهم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً