وضع العنوان في صيغة تساؤل (مقروناً بعلامات تعجب) له من الدلالات والمغازي التي تستدعي الوقوف عندها مما ينبغي توضيحها، ولو بشيء من الإيجاز، في هذه المقالة*، وذلك في محاولة لإستجلاء جانب من عتمة الإدراك وظلمة التضليل …. كيف؟!.
إثر ثورة/انتفاضة فبراير 2011، ومهما حصل من تباين حول المسميات والأسباب والدوافع، اقترنت المصالحة الوطنية بالعدالة الانتقالية، سواءً من خلال التشريعات أو ضمن الحوارات والأدبيات ذات الصلة، ولدواعي عديدة ومتنوعة، ولكن، وبعد فترة وجيزة من الوئام ومحاولات بناء السلام/الدولة، برزت خلافات مرتبطة بتنازع مصالح ضيقة بين تيارات سياسية وجهوية ومناطقية وفئوية من أجل السلطة والنفوذ ونهب المال العام؛ مما تمخضت عنها صراعات مسلحة عبر أدرع مسلحة مارقة أدت إلى زهق للأرواح وتدمير للممتلكات العامة والخاصة، والشواهد كُثر، بعد هذا العبث، ولتفادي الملاحقات القضائية والإفلات من العقاب – رغم أن مثل هكذا جرائم لا تسقط بالتقادم – وقعت تغييرات متعمدة وغرضية في تناول الموضوع محل الطرح، وذلك من قبل متصدري المشهد السياسي المتردي والفواعل المسلحة المنخرطة والمتورطة ،بشكل مباشر أو غير مباشر، في إرتكاب الأفعال الإجرامية.
في هذا السياق، لعل أبرز ما وقع، ويقع حتى اللحظة، هو العمل الماكر لتمييع فكرة الربط بين المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، بل والتركيز على عنصر المصالحة دون وضع أية إعتبار للشق المتعلق بالعدالة، وذلك بسب عدم اقتصار تطبيق العدالة على مجرمي النظام السابق فقط، والخشية من أنها أصبحت تطال كل من اقترف جرائم في حق الشعب الليبي، قبل وبعد فبراير دون استثناء.
ولتعزيز ذلك، قامت سلطات الأمر الواقع، وبمعية فواعل أجنبية متدخلة في الشأن الليبي، بشرعنة هذا الخبث عبر تضمين “المصالحة” في نصوص الإتفاقات المشبوهة المبرمة بينها (الصخيرات وجنيف وغيرها)، مع إتاحة الفرص لرموز النظام السابق للعودة الآمنة والمجزية بالتعويضات وتبرئة الذمم وتقاسم السلطة والغنيمة، والعمل على إطلاق رصاصة الرحمة على مبدأ العدالة.
في تقديرنا، والزمن كفيل بكشف الحقيقة وإحقاق الحق، فإن فكرة المصالحة المطروحة ذاتها لا تخلو من لبس وكيدية، رغم تأسيس “مجلس أعلى” لها، يبدو أنه ولد ميتاً، في هذا الصدد، أرى أن حالة التأزم والقبح البشعة في ليبيا في حاجة إلى مصالحة بين سلطات الأمر الواقع الجاثمة مصائرنا منذ أمد، وليس بين مكونات الشعب الليبي، وما تدافع الليبيين وتعاضدهم أوقات المحن، كما حدث عند حصول كارثة درنة، إلا مثال صارخ على ذلك.
*لمزيد التفاصيل حول الموضوع، أنظر ورقتنا التحليلية:
د. أحمد علي الأطرش، “العدالة الإنتقالية والمصالحة الوطنية في ليبيا: جدلية الأولويات“، الموقع الإلكتروني لمركز الجزيرة للدراسات، 6 اكتوبر 2021، https://studies.aljazeera.net/ar/article/5149
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً