يكثر الحديث حالياً، عن مقاومة محتملة لقوة حركة “طالبان” بعد إحكام سيطرتها على أفغانستان وأقاليمها، حيث قد تجد هذه المقاومة دعما دوليا وستخرج من وادي بانشير، وهو المكان الوحيد في البلاد الذي لم تسيطر عليه “طالبان” بعد.
ويقع هذا الوادي تحت سيطرة أحمد مسعود ابن أحمد شاه مسعود بطل الحرب الأفغانية السوفياتية في ثمانينيات القرن المنصرم.
وأفادت تقارير إعلامية بأن ما يشبه جبهة مقاومة لحكم حركة “طالبان”، على أفغانستان بدأت تتبلور في إقليم بانشير الشمالي، المعقل التقليدي للتحالف الشمالي الذي كان يقوده أحمد شاه مسعود الذي قُتِل على يد القاعدة في 9 سبتمبر 2001.
وحض أحمد مسعود في مقالات نشرت في الأيام الأخيرة على المقاومة في وادي بانشير، مطالبا بدعم دولي ولا سيما أسلحة وذخائر من الولايات المتحدة.
وقال أحمد مسعود، في مقال رأي كتبه في صحيفة “واشنطن بوست”، بعد سقوط كابل في يد طالبان، إن الآلاف من قوات الكوماندوس وضباط الجيش الأفغاني لجأوا إلى إقليم بانشير صعب التضاريس، داعياً الغرب إلى مساعدته للوقوف في وجه “طالبان”.
كما ذكر مسعود أن الجنود الأفغان قد جلبوا معهم عشرات الآليات العسكرية والمدرعات والطائرات العسكرية.
وكان أمر الله صالح، نائب الرئيس الأفغاني المقرب من مسعود، قد ترك العاصمة كابل وتوجه إلى بانشير وأعلن نفسه من هناك الرئيس الأفغاني بالإنابة بعد فرار الرئيس الأفغاني أشرف غني، إلى الإمارات العربية، يوم سقوط كابل في 15 أغسطس الحالي.
وتعهد أمر الله صالح بعدم الرضوخ لـ”طالبان” وانسحب إلى الوادي، وظهر القائدان معا على شبكات التواصل الاجتماعي.
يُذكر أن إقليم بانشير كان خارج سيطرة حركة “طالبان” خلال حكم “طالبان” لأفغانستان ما بين عام 1996 و2001 حيث فشلت الحركة في دخول المنطقة ذات الطبيعة الجغرافية الصعبة التي كان يتحصن فيها أحمد شاه مسعود، قائد التحالف الشمالي.
وأحمد مسعود هو نجل أحمد شاه مسعود، الذي قاد قوات التحالف الشمالي ضد الغزو السوفيتي في الثمانينيات وحركة “طالبان” في التسعينيات من القرن الماضي.
وبعد التحاقه بمدارس في طاجيكستان وإيران، درس بين عامي 2010 إلى 2011 بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية المرموقة، كما حصل على درجة علمية في دراسات الحرب من جامعة “كينغز كوليج” البريطانية ودرجة الماجستير في السياسة الدولية من جامعة “سيتي” في لندن.
وفي سبتمبر 2019، ألقى خطاباً أمام حشد كبير في ضريح والده في وادي بانجشير حيث أكد التزامه بمُثُل “الحرية والتحرر والعدالة وإقامة نظام إسلامي معتدل”، وشجع المصالحة الوطنية ودعا إلى لامركزية السلطة في البلاد.
وبعد سيطرة “طالبان” على أفغانستان في أغسطس 2021 انضم مسعود إلى النائب الأول للرئيس أمر الله صالح في رفض حكم طالبان.
وفي 18 أغسطس 2021 قالت عنه صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أنه “قائد جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية” ونشرت رسالة له في صفحة الرأي قال فيها أنه مستعد للسير على خطى والده “مع المجاهدين المستعدين لمقاومة طالبان مرة أخرى”.
وناشد أحمد مسعود الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، مد يد العون له قائلاً: “بغض النظر عما يحدث، سندافع عن بانشير أنا والمجاهدون عن باعتبارها آخر معقل للحرية في أفغانستان، ومعنوياتنا عالية، نعرف من التجربة ما ينتظرنا.. لكننا بحاجة إلى المزيد من الأسلحة والذخيرة والإمدادات”.
وكتب مسعود في صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، في 17 أغسطس، مقالاً بعنوان “نحن المقاومة وعلى العالم أن يساعدنا” وقال فيها: “هذه المعركة هي مهمتي الآن وإلى الأبد.. أنا ورفاقي في السلاح مستعدون لبذل دمائنا مع كل الأفغان الأحرار الذين يرفضون العبودية والذين أدعوهم للانضمام إلي في معقلنا في بانجشير، وهي آخر منطقة حرة في بلادنا. بلدنا يعاني الويلات. أناشدكم أيها الأفغان من كل المناطق والقبائل، وأناشدكم الانضمام إلينا، وأدعوكم أيها الأفغان خارج الحدود والذين أفغانستان في قلوبهم لأخبركم أن لديكم أبناءً هنا في بانجشير لم يفقدوا الأمل. وأناشد فرنسا وأوروبا والولايات المتحدة والعالم العربي وغيرهم الذين ساعدونا كثيراً في معركتنا من أجل الحرية ضد السوفييت في الماضي وضد طالبان قبل عشرين عاماً. فهل ستساعدوننا مرة أخرى؟”.
وفي 15 أغسطس الجاري، نشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية مقتطفات من رسالة وجهها مسعود إلى المفكر الفرنسي برنارد هنري ليفي قال فيها: “معنوياتنا سليمة… نحن مصممون على القتال حتى النفس الأخير. لكن لا يمكننا خوض هذه المعارك بمفردنا”.
ودعا أحمد مسعود فرنسا إلى توفير الأسلحة والذخيرة والإمدادات باسم “التاريخ المشترك الطويل” بين الشعبين الفرنسي والأفغاني، وناشد فرنسا قائلاً: “لا تتخلوا عنا، فرنسا هي الملاذ الأخير لنا، الأمل الوحيد الذي بقي لنا”.
وخلال زيارة له إلى باريس في مارس الماضي، صرح أحمد مسعود لوكالة “فرانس برس” إنه “قلق جداً” بشأن مستقبل أفغانستان ويشك في إمكانية نجاح محادثات السلام التي تجريها الولايات المتحدة مع طالبان، وقال إن الأفغان يشعرون بالقلق ونخشى “أن تغادر أمريكا أفغانستان وتتركنا لوحدنا في مواجهة طالبان”.
وأضاف أنه يشعر بالقلق حقاً ويأمل “أن تظهر طالبان الحصافة وتثبت أنها ستحترم أي نوع من التسوية والاتفاق السلمي والسياسي”.
وأعرب مسعود عن شكوك عميقة بالمفاوضات التي كانت تجريها الولايات المتحدة مع حركة “طالبان” في قطر وانتقدها بقوله: “الأفغان لا يقودون هذه المفاوضات بل هي مفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان، وما لم تتناول المفاوضات عملية توزيع السلطة على الجميع وتطبيق اللامركزية في أفغانستان فلن نتمكن من حل أي مشاكل”.
اترك تعليقاً