حقًّا كما قال العديد من المؤرخين وخبراء السياسة: “إن أعوان الطغاة قد يخافون ويختفون عن الساحة قليلاً، ولكنهم لا ييأسون من محاولات إعادة أمجادهم وسلطانهم الذي اكتسبوه من خلال وجودهم بجوار طاغيتهم الذي أبادته وأنهته ثورة الشعب وطردتهم مع جميع أعوانه”.
نعم، إن التاريخ يؤكد أن روح الانتقام موجودة عند هولاء، قد تخفت قليلاً ولكنها لا تموت أبدًا؛ لأن ارتباطهم برب دنياهم ارتباطًا عضويًّا وروحيًّا، فمن خلاله وفي محيطه ومنه استمدوا ثرواتهم وسلطانهم، وعاثوا في البلاد فسادًا، البلاد التي كانوا يعتبرونها إقطاعية يملكونها مع سيدهم، وناسها عبيدًا لهم، ليس لهم إلا السمع والطاعة للصقر الأوحد والقائد الملهم.
هؤلاء في ليبيا كثر، فمنهم الحلقة الأولي، وهم الأبناء والبنت والزوجة، إضافة إلى مجموعة من الأقارب والأصهار المقربين، هولاء كانوا يعتبرون ليبيا مزرعة والدهم وكبيرهم، وكل الليبيين والليبيات عبيدًا للقائد والأولاد، فاستحلوا مال ليبيا وسمحوا لأنفسهم بأن يتجبروا وينتهكوا الأعراض ويمرحوا يمينًا وشمالاً في طول البلاد وعرضها، وكأنها إقطاعيتهم التي يجب على سكانها أن يقدمون لهم الولاء والطاعة.
وامتد هذا السلطان من هذه الفئة إلى الحلقة الثانية، والتي تمثل قيادات الحرس الثوري وقيادات اللجان الثورية، وكذلك البعض من أعضاء القبيلة وضباط الأمن والجيش والكتائب الأمنية، هؤلاء هم الأعوان الذين فقدوا سلطانهم وثرواتهم بعد قيام ثورة ١٧ فبراير المجيدة، فقُتل منهم من قُتل، وسُجن منهم من سُجن، ولكن جزءًا ليس بالقليل هرب إلى بلاد الجوار، وفي البداية كانوا هاربين خوفًا يبحثون عن المكان الآمن، ومنهم من سافر إلى ثلاثة أو أربعة بلدان، ومنهم من وصل إلى فنزويلا وماليزيا في آسيا، والقليل في أوروبا، أما الأغلب ففي مصر وتونس والجزائر والنيجر وتشاد ومالي.
المهم أن هولاء بعد الهدوء النسبي الذي شهدته البلاد وخاصة بعد شعورهم بضعف المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الانتقالية وظهور توجه المصالحة، وعفى الله عما سلف- بدءوا يجمعون شتاتهم ويلتقون ليعملوا على استرداد جزء من سلطانهم عن طريق دعم بعض الشخصيات التي كانت تربطهم بها علاقات (بيزنس) أو عمل أو قرابة، وهم موجودون في مواقع متعددة في إدارة الثورة الليبية.
ولأنهم متيقنون من أن سلطانهم لن يعود كما كان؛ لأن الشعب وقف أمام كل أعوانهم ومنعهم من أن يتقلدوا أية مواقع قيادية، أصبحوا يفكرون في العمل على إحداث نوع من عدم الاستقرار وإثارة الرعب بين أفراد الشعب بعمليات تفجير وتخريب واعتقال.
ويظهر أن المعلومة، التي كنا نشك في صحتها حول وضع خطة في شهر أبريل عام ٢٠١١ سميت «خطة الانتقام بعد سقوط النظام» خلال الاجتماع الذي عقد في باب العزيزيه واستدعي له قيادات الإرهابيين الليبيين وحضزه بعض معاونيهم من الخارج، واتفق على أن يتم تنفيذ تفجيرات في تونس وقطر والإمارات، ثم لو سقط النظام تتحول التفجيرات إلى بنغازي والبيضاء ودرنة ومصراته والزاوية وطرابلس- يبدو أن تلك الخطة وذلك الاجتماع حدث بالفعل.
فقد حُددت بعض المواقع لإثارة الفوضى فيها بهدف خلق نوع من عدم الاستقرار وذلك كتجسيد عملي لما قاله الطاغية وابنه مهددين الليبيين والليبيات بأنهم لو تركوا ليبيا فستتحول إلى صومال أو عراق ثانية، وستعيشون حياة مقلقة من سيارات مفخخة وحروب أهلية، ونحن جميعا نتذكر ذلك.
نعم هذا ما حدث، والآن بدءوا يعملون على تنفيذه بشكل أو بآخر، وجندوا لذلك ليبيين ومرتزقة عرب وأجانب من دول الجوار؛ ولكن حرص شباب الثورة ويقظتهم، في مقابل جبن الخونة والمتواطئين، بالإضافة إلى أن البعض ممن كلفوا بالتفجيرات ثبت أنهم يبلغون عن مكان المتفجرات خاصة التي كلفوا بوضعها في أماكن بها تجمعات من الناس- كل ذلك أفشل العديد من مخططاتهم الإرهابية.
عمومًا الدول العربية التي بها هؤلاء الأزلام ستتأثر علاقتها بليبيا، ويجب أن يعلم الجميع أن ليبيا عمق استراتيجي لمصر وتونس، وهما أيضًا عمق استراتيجي لليبيا، وبالتالي فيجب الحد من تحركات هؤلاء في هذه البلدان، والتنسيق مع الجهات الأمنية الليبية بهذا الخصوص.
والقضية المهمة في هذا الإطار أننا الآن في شهر فراغ سياسي، للأسف وزراء الحكومة ليس لديهم خبرة، ويجب عليهم أن يمارسوا عملهم بجدية تامة إلى أن تقسم الحكومة الجديدة اليمين الدستورية، ويأتي الوزير الجديد ليتسلم مهام عمله، هذه هي الأصول والوطنية، خاصة في الداخلية والخارجية والنفط والمالية والكهرباء وغيرها.
الموضوع الآخر المهم الذي أود التطرق إليه هو اللجان الأمنية بالمناطق، واللجنة الأمنية العليا، والتنافس الحاصل الآن بينها وبين الأجهزة الأمنية الأخرى، ولا أريد الخوض كثيرًا في التفاصيل؛ ولكنني أري أن الحل يجب أن يكون بالصورة نفسها التي تمت في الجيش الوطني، وإنشاء “قوة درع ليبيا”.
وأرى أن يتم إنشاء جهاز الدعم الأمني، والذي تنضوي تحته كل تشكليات الأمن الثورية المسماة بـ«اللجان الأمنية»، وبالتالي تحل محل جهاز الدعم المركزي القديم، ومن خلال انضمام اللجان الأمنية بكل هياكلها لهذا الجهاز، فسيكون الأمر أكثر تنظيمًا وترتيبًا بإذن الله تعالى.
المهم أن نعمل من أجل خلق رأي عام واعٍ لمراقبة كل الأمور؛ ليكون كل الشعب آمن ومسئول عن مراقبة كل التحركات المشبوهة والإبلاغ عنها؛ لأن هذه الثورة قمنا بها جميعًا ومسئولية المحافظة عليها وإحباط مخططات الانتقام منها هو واجبنا جميعًا أيضًا.
والله سبحانه وتعالي هو الحافظ ما دمنا مخلصين له الدين، وسيهئ لنا أسباب التوفيق والنجاح والحماية من أعداء البلاد والعباد.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً