قال تعالى : {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} صدق الله العظيم
لا شك أن مبادرة شعب وأهالي مدينة مصراتة بتأسيس مفوضية للإنتخابات المحلية هو خطوة حضارية مميزة في الإتجاه الصحيح وتشير إلى أن أهل مصراتة – وبعد أن سكت عنهم الغضب وبدأوا في التخلص من عقدة الثأر – بدأوا في العودة إلى طبعهم الأصيل كشعب مدني متحضر قادر على العطاء والتمَيّز .. فأنا كتبت مقالة قبل الثورة أشدت فيها بتفوق مصراتة كمدينة حيث جاءت تلك المقالة كتعليق لي على نتائج إنتخابات الثانوية العامة التي أظهرت تفوق أولاد وبنات مصراتة على مستوى ليبيا !.. وقلت يومها أنني لاحظت قدرة أهالي مصراتة على خدمة مدينتهم حتى في ظل نظام القذافي .. وقلت في تلك المقالة أنه لعل من أسباب تفوق مصراتة كمدينة هو أن رابطة الولاء فيها – بعد الله ثم الوطن – هو لمدينة “مصراتة” ذاتها لا للقبائل بخلاف ما يحدث في مدينتي الأصلية “إجدابيا” مثلا ً حيث الولاء للقبائل في إجدابيا يكون على حساب الولاء لإجدابيا كمدينة!.. وتمنيت أن يكون الولاء في إجدابيا – بعد الولاء لله ثم الوطن- للمدينة ذاتها لا للقبائل !.. فالولاء للقبائل هو من أسباب تخلف إجدابيا وعدم قدرتها على النهوض حتى الآن!!.. وطالبت شباب إجدابيا برفع شعار (إجدابيا هي قبيلتنا) في مواجهة الفرز القبلي الداخلي أي داخل إجدابيا ورفع شعار (إجدابيا هي مدينتنا) في مواجهة التنافس الحضاري بين المدن الليبية وهو تنافس حضاري مشروع بل ومفيد للوطن!.
صحيح أنني شعرت بشئ من خيبة الأمل حيال بعض التصرفات التي بدرت عن بعض ثوار مصراتة أثناء الحرب والتي جعلت من مصراتة تبدو كما لو أنها تتصرف كقبيلة لا مدينة(!!!) وربما كان ذلك جاء كرد نفسي طبيعي لظروف الحرب الرهيبة وما تعرضت له مصراتة من أعمال وحشية من قبل جحافل تتار القذافي وما ترتب عن ذلك من إنفجار مشاعر الخوف والغضب والرغبة في الإنتقام من الظالمين والرغبة في إثبات الذات والإنتصار لها .
ولكن ها هي “مصراتة” المدينة – على ما يبدو – بدأت تستعيد هدوئها وعافيتها وإتزانها وطابعها المدني المتحضر وتبادر إلى تنظيم نفسها بل وتأسيس (مفوضية مدنية للإنتخابات المحلية) كخطوة أولى نحو تحقيق إنتخابات ديموقراطية لإنتخاب المجلس المحلي الحاكم في مصراتة … وأتمنى – بهذا الصدد – أن تكون مصراتة مثلا ً يُحتذى بهذا الخصوص كما أرجو أن تضرب مصراتة المثل الطيب أيضا ً في التسامح والعفو عند المقدرة !.. تسامح المنتصرين المقتدرين الأقوياء فلا شك أن هذا التسامح سيكون صورة أخرى من صور التفوق على النفس لصالح العقل والخير العام .. كما أتمنى أن تضرب “مصراتة” المثل في تحويل “المجلس المحلي” لمصراتة إلى نموذج للمجلس المحلي الحاكم الحقيقي المنتخب الذي تكون له السيادة المحلية على أرض المدينة بتخويل من شعب وأهالي هذه المدينة فيكون هذا المجلس هو مجلس حاكم حقيقي ومقتدر يملك بالفعل صلاحيات واسعة للحكم والإدارة في مصراتة وفي ظل الإطار العام لوحدة الوطن والدستور والأمة والدولة من أجل تحقيق وتطبيق مبادئ الحكم المحلي واللامركزي في ليبيا الجديدة لننطلق نحو التنمية الوطنية الشاملة بآليات التنمية الجهوية اللامركزية ونحو المستقبل بفاعلية وبأسرع ما يمكن!.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!.
سليم الرقعي
اترك تعليقاً