قام أنصار الشريعة بالخروج في مظاهرة مسلحة مطالبين بتطبيق الشريعة . ونحن هنا لسنا كديدن الكثير منهم نشكك في نوايا الناس أو نسعى للانتصار عليهم في معركة فكرية دون أن نأخذ في الاعتبار أن آرائنا يمكن أن تكون خطأ ولو أننا الآن نعتقد بصحتها ، فلا يجوز أن نجزم بان هذا الرأي أو الفتوى هي التجسيد الفعلي لإرادة الله سبحانه وتعالى أو المعنى الذي قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الفرق بين أحد معاني الشريعة الإسلامية وإلاسلام ، فالشريعة هي فهم الفقهاء للإسلام والذين كانوا قديماً يذيلون كل رأي أو فتوى بعبارة والله أعلم ، أما اليوم فنجد الكثير حذف عبارة الله أعلم .
بل نحن نرى ونعترف لهم بحبهم وحماسهم للإسلام ، و نرى الخلل في فهمهم وطريقة نظرتهم وفق التالي:
1- أول مصادمة للإسلام خروجهم بالأسلحة . فرسول الله صلى اله عليه وسلم يقول : ” مَنْ رَوَّعَ مُسْلِمًا رَوَّعَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” . ويقول أيضاً : ” من رفع على أخيه حديدة فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله ” . وقال كذلك : ” لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار ” . وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام : ” من أشار إلى أخيه بحديده فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع وإن كان أخاه لأبيه وأمه “.
فكيف بالله عليكم يطالب بتطبيق الشريعة من يخرج في الطرقات بالأسلحة الثقيلة المتوسطة والخفيفة ماراً من أمام الأطفال والنساء والشيوخ باثاً الرعب في قلوبهم؟
بل أن رسول صلى الله عليه وسلم قال أحد هذه الأحاديث موجهاً كلامه لمن كان ممازحاً لغيره ، فما بالك لمن كان جاداً عامداً.
2- تناقشنا مع الكثير من أصحاب هذا التيار ، وأغلبهم يعترف بأنه ليس عالماً أو متخصصاً في علوم الشريعة وغيرها ، بل الكثير منهم يعترفون بأنهم لا يفعلون إلا ما يقوله هذا الشيخ أو ذاك لأنه ثقة . فكيف ينادي بتطبيق شيء من يعترف ويقر بأنه لا يعرفه وليس له القدرة على استيعابه وفهمه ؟ هل يسألك الله عز وجل يوم القيامة ماذا قال هذا أو فعل ذاك ؟ أم ماذا فعلت أنت وقلت؟
لا بل يعترف الكثير منهم أنهم لا يقرؤون ومن أعداء القراءة . فكيف بمن لا يطبق أول آية نزلت في الإسلام ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية ؟ أليس هذا تناقضاً فاضحاً ومفارقةً غريبة؟
هناك حادثتان شهيرتان توضحان الفرق بين فهمنا للإسلام وبين الإسلام ذاته و تباين الأفهام بتباين العقول والنظرة القاصرة لدى بعضنا للإسلام وتعالميه ومبادئه ومنها الحدود.
الحادثة الأولى عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقادة جنده وسراياه: “وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا”
الثانية حيث سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه والياً له فقال: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟
قال الوالي: أقطع يده.
قال عمر: إذن فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك. إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها. إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
إن عدم الاطلاع والتوسع في علوم الدين والعلوم الأخرى والثقافة العامة والذكاء سيصل بك لتجزئة الإسلام والوصول لأفكار تصادم الإسلام ذاته باختيار آيات أو أحاديث بعينها . فإلاسلام دين شامل سهل رحيم بالناس يجعلك تنظر للناس والدنيا بأسرها نظرة تقلب كيانك رأساً على عقب وتجعلك تحس بالسعادة وقيمة الحياة بكل ما فيها وحكمة الإسلام في كل آية أو حديث ، هذا لمن مطلعاً على علومه وغيره من العلوم المتنوعة والثقافة والتاريخ وكان موضوعياً خالياً من العقد ، وهو في ذات الوقت يبدو لمن لا يتمتع تلك الصفات صعباً نزل ليطبق على الناس – وفق فهمهم – بالقوة ، يبدوا الإسلام ليدهم وكأنه نصوص قوانين نزل لتطبق السلطة الحاكمة على الناس في مجالات بعينها.
2- مصطلح أنصار الشريعة يخالف مبادئ الإسلام وتعاليمه . فهو أولاً تزكية للنفس والله تعالى يقول : ” فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ” . كيف وسيدنا على بن أبي طالب ، وهو وما هو في الإسلام ، يقول لأبنه الحسن : ” ما أنا إلا رجل من المسلمين ” . بل إن الله تعالى يأمر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : ” قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى “.
العديد منا لا يرتاح له بال إلا إذا أطلق على نفسه تسمية وصنف نفسه وصنف الآخرين ، أحدهم قالا لنا ذات يوم ً أنا ………. والحمد لله . وسألنا وأنت ؟ فقلت : مسلم والحمد لله .!!!
هذه التسميات وتزكية النفس كأنصار الشريعة وحزب الله كلها نابعة من إلاعجاب بالنفس والإنصياع للنفس وإتباعها . أكثر شيء يجب مراقبته جيداً ليس الناس وأفعالهم بل نفسك أنت ، فالنفس أحياناً تغريك بما تراه خيراً وحقاً وتظهرك بأنك المدافع عن الحق والخير، فتشغلك بالآخرين عن نفسك.
إن القياس على المهاجرين والأنصار هو قياس على الله ( والعياذ بالله ) فالله هو من وصفهم بذلك ولم يصفوا هم أنفسهم ، كما أن أوصافاً كالمهاجرين والأنصار فيه وصف لحال دنيوي : الهجرة والتآزر والتعضيد ، ولا تزكية فيه للنفس .
كيف نزكي أنفسنا ونحن في قرارة أنفسنا نعلم ما نرتكبه من ذنوب في كل يوم ؟ لو أراد الله حسابنا بعدله المطلق لأكبنا على وجوهنا في النار جميعاً ، ولذلك كان الأمام زين العابدين السجاد يدعو فيقول : ” اللهم ارحمنا برحمتك وعاملنا بعطفك ولا تعاملنا بعدلك “.
3- لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده قدوةً للناس من حيث إعطائهم الدليل من أنفسهم. يقول صلى الله عليه وسلم :” لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها ” . ويقول كذلك : ” أيها الناس، من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد مني اليوم ـ أي فليقتص مني اليوم ـ، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليستقد مني اليوم، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليستقد مني اليوم قبل أن لا يكون هناك دينار ولا درهم ” . . ويقول أيضاً : ” طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس “.
فهل ستطيقون حد السرقة على من يسرق التيار الكهربائي من أهاليكم ؟ هل سيكون أول من تطبقون عليه حداً – ولو خارج أجهزة الدولة الشرعية من قضاء وغيره – من أقاربكم أو أصهاركم أو جيرانكم أما من الأغراب ؟ هل ستقتلون آباءكم وإخوانكم وأبناء عمومتكم كما فعل الصحابة ؟ أم أنكم ستبدءون بالأغراب والضعفاء؟
3- لا شك أن هذه المطالبة تنم عن ثقافة استجداء ، أي أننا ننظر إلى أنفسنا كمحكومين ونطالب الحكام . وهذا مما لم يفعله صلى الله عليه وسلم ، بل دعى الناس وظل يدعوا ويدعوا متحملاً كل الأذى والتعذيب حتى أتاه أهل المدينة مبايعين له كرسول وبيعة ثانية سياسية كحماة له واعتراف له بالقيادة السياسية ، بغض النظر عن مقصود الشريعة الإسلامية لديكم.
4- الشعب الليبي إما أن يكون مسلماً ومن ثم فإن دعوتكم وتسميتكم أنفسكم بأنصار الشريعة تصبح غير ذات معنى . أو انه شعب غير مسلم ومن ثم لا يجوز أن تطبق عليه أحكام الإسلام ، اللهم إلا إذا أردتم تطبيق أحكام أهل الكتاب عليه.
5- لم تفصحوا عن معنى مصطلح الشريعة الإسلامية الذي طالبتم بتطبيقه ؟ هل تقصدون إلاسلام كلاًً لا يتجزأ ؟ أم قصدتم بذلك آيات الحدود ؟ فآيات الحدود لا تتجاوز 8 آيات فهل هذه هي الشريعة إل سلامية ؟ ألا نسيء للإسلام إذا قزمناه وقصرناه على 8 آيات فقط ؟ ثم لم تينوا بفهم آي شيخ أو مذهب سنأخذ في التطبيق؟
نحن ننصح أنفسنا وغيرنا ، من لا يقرأ وغير متعلم وليس لديه علم كافي بعلوم الإسلام وغيره من العلوم المتنوعة ، لماذا يدخل نفسه في هذا الخضم ؟ كيف أدخل نفسي في علم الكيمياء وأنا أعترف بأنني لا أفقه منه إلا القليل ؟ ألا أكون معانداً حينئذ؟
لقد طالب الخوارج سيدنا علي بن أبي طالب بتطبيق الشريعة ، بل واتهموه بأنه لا يطبقها ؟ لماذا وصل هؤلاء العباد الصوام القوام إلى هذه الدرجة من المزايدة على هذا العلم من أعلام الإسلام ؟ بل إلى تكفيره وقتله غيلةً لا حقاً ؟ شيء بسيط جداً أنزلوا آيات نزلت في أوقات بعينها وعلى مشركين وكفار بعينهم على المسلمين عامةً !! فكانت أول خطوة في الاتجاه الخاطئ مما ترتب عليه أن كل الخطوات اللاحقة كانت خاطئة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً