بسم الشعب يتم توقيع الإتفاق…، وبسم الشعب يتم رفض نفس الإتفاق…!
المثير للشفقة فعلاً، هو هذا الشعب المتوسل للسلام والأمان؛ والمتمرد الرافض لأي اتفاق سلام رغم أنفه… ودائماً، باسمه تشن الحروب وتندلع الثورات، وباسمه تعلن اتفاقيات السلام الدولية والحكومات التوافقية، وباسمه أيضاً تنطق دار الإفـتاء لتعــلن بطلان التوافق وبطلان السلام لأن شرعية ذلك الاتفــاق لم تستمد من «الشعب»! ويظل ذلك الشعب الذي باسمه يحدث كل شيء مجرد كائن افتراضي أخرس، لا يسمع، لا يرى، ولا يتكلم! وإذا ما تجرأ على المُعَارضة والتظاهر سيكون مصيره القتل أو غياهب السجون…!
ولكن، يبقى حضوره في كل تلك المحافل والبيانات الرسمية مهما وأساسيا لتمرير كل الصفقات ولاستمرار الفوضى والنزاع وكسب مزيد من الوقت لنهب وسرقة ما بقي في خزائن أموال ذلك الكائن الخرافي المُسمى «الشعب الليبي»… فذلك «الشعب» بكل هيبته وقداسته أصبح كآلهة الإغريق القديمة، متخيلة وافـتراضية، ولكـن، لا تكتمل أساطير الحرب والسلام بدونها…!
حكومة رابعة كان ينتظرها الشعب الليبي برعاية خليجية، وهذه المرة، مسقط رأسها “مسقط” العُمانية، لتنظم إلى تشكيلة الحكومات الليبية السابقة، إمعانا في مسلسل الفوضى والعبث بمصير البلاد والعباد، وليدخل على خط الأزمة السلطان قابوس بعد أن نفد أخيراً صبر الحيــاد والاتزان العماني، وسأم مقاومة إغواء ممــارسة بعض العبث في المستنقع الليبي أسوة بجيرانه…!
ما الفرق بين أن تولد حكومة برعاية ووصاية خليجية وفي مسقط العمانية وبين أن تكون برعاية دولية ومغربية في الصخيرات ولماذا الافتراض بأن حكومة “مسقط” وطنية وليبية، والحكومة الأخرى هي حكومة “عميلة” و”خائنة” و”حكومة وصاية أجنبية”- حسب وصفهم؟ ومن يضمن عدم ظهور فريق مليشياوي آخر ويعلن حكومة خامسة من طرابلس أو بنغازي، أو من أي مكان آخر من ليبيا، ويصف كل الحكومات السابقة بأنها جميعها خائنة وعميلة وتحت الوصاية الأجنبية؟ وهذا ليس مستبعدا أبداً، بل ربما، هذا هو الهدف الأساسي من نسف اتفاق الصخيرات…!
من الواضح أن أمراء الحرب في كل من المؤتمر والبرلمان لا يبحثون عن اتفاق بديل للصخيرات، بل الحفاظ على الوضع الراهن على ما هو عليه. وما هذا التحول والانقلاب المفاجئ من حالة العـداء والاقـتتال ما بينهما إلى حالة من فائض العشق والمحبة؛ إلا دليل على أنهما لم يكونا يوما طرفي نزاع واقتتال، بل مجرد موظفين مخلصين يؤدون واجب حراسة الفوضى والخراب واستمرار مسلسل الاقتتال والتناحر بين أبناء هذا البلد المنكوب بأمثالهم.
وما معارضتهم الهستيرية لحكومة التوافق المعلنة في الصخيرات إلا استمرار لنفس الدور الذي يلعبه كل من المؤتمر والبرلمان في تأجيج الفوضى وعرقلة أي مساعٍ محلية أو دولية لإنهاء الانقسام والنزاع وإيقاف مسلسل الحروب العبثية التي يغذيها الطرفان.
وبعد قرار مجلس الأمن ترد قيادة المؤتمر في طرابلس باستعراض عسكري لميليشياتها التي تسيطر على العاصمة الليبية، وسط هتافات التهديد والوعيد لحكومة الوفاق المعلن عنها بالصخيرات المغربية، وتحذير رئيسها من الدخول إلى طرابلس، ورئيس المؤتمر يطمئن حشوده المسلحة بأن: «لا يخافوا على ثورة هو رئيسها» -حسب تعبيره- في نرجسية وتضخم للأناء لم تشهده ليبيا حتى في عهد من يصفه بـ “الطاغية” أو “الديكتاتور”.. وفي تحدي لمجلس الأمن والمجتمع الدولي، الذي أوصلهم للسلطة قبل سنوات قليلة بعد الإطاحة بالنظام السابق، بقرار من مجلس الأمن والمجتمع الدولي نفسه… ألم يخطر ببال «رئيس الثورة» أن يواجه مصير من سبقوه؟
أما رئيس البرلمان، وخلافاً لرفيقه «رئيس الثورة» -الذي كانت المليشيات ملاذه الأخير- فضّل “عقيلة” الارتماء في أحضان شيوخ القبائل، ليعقد صفقة المحاصصة القبلية ويقدم شروط شيوخ قبائل شرق البلاد لمنح الثقة، ليتحول اجراء منح الثقة إلى ورقة ضغط لتمرير مطالب حلفائه من شيوخ قبائل المنطقة الشرقية.. اما بقية “ليبيا” فلا تعني للبرلمان ورئيسه في شيء…!
ختاماً.. ان ما ينتظره الشعب في نهاية المطاف ليس مزيد من اسهال الحكومات التوافقية ومن وراءها هؤلاء المتورطين في دماء الليبيين واشعال الحروب فيما بينهم، بل عزل ومحاكمة كل قادة المؤتمر والبرلمان وحكوماتهم المتعاقبة وكل من تصدر المشهد السياسي وأمراء الحرب أمام محكمة عادلة… ليسدل الستار على هذه المهزلة المأساوية بتلاوة منطوق الحكم العادل «بسم الشعب» المنكوب بحكامه…!
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً