خبران مقتضبان يختصران الواقع المؤسف لحال العمل والعمال في ليبيا، الأول إعلان حكومة الوحدة الوطنية يوم غد الأربعاء، عطلة رسمية، بمناسبة اليوم العالمي للعمال، وفي ذات الوقت دعا الاتحاد العام لنقابات العمال، إلى وقفة احتجاجية أمام مقر “القيادة العامة” في بنغازي، لإيصال صوت العمال في يومهم، ودفع الحكومة للنظر في واقع العمل في ليبيا.
تعتبر الحكومة مجرد العطلة، منحة تقدمها لعمالها كهدية عيد، بينما يرى العمال أن تغيير ظروف العمل، والنظر في سلسلة الرواتب و الأجور(العام والخاص)، وتحسين ظروف العمل، هي الهدية التي يمكن أن تقدمها الحكومة أو الحكومتان (لأن ليبيا تملك حكومتان) وهي ميزة لا توجد إلا في هذا البلد القابع على ثروة كبيرة يحسده عليها جيرانه الاقربون والأبعدون.
هل من نظرة واقعية يمكن للمراقب أن يرى من خلالها واقع العمل في ليبيا، سنحاول في هذه العجالة، أن نقدم تبسيطا لميزات ومعاناة قطاع العمل الليبي، لعلنا نساهم في جزء في الجهد المبذول لتصحيح الأمور ووضعها في نصابها.
البنك الدولي يشرح الواقع
حسب دراسة أعدها البنك الدولي، عام 2016 بعنوان “سوق العمل في ليبيا.. إعادة الاندماج من أجل التعافي”، فإن أبرز التحديات التي تواجه سوق العمل الليبي تتمثل في عدم استقرار البيئة السياسية واستمرار الصراع بالدرجة الأولى، وتتبع هذا العامل المهم عدة عوامل أخرى حسب البنك الدولي.
ضعف مناخ العمل يقلل من الطلب على الأيدي العاملة، وهيمنة القطاع العام، بوصفه جهة العمل المفضلة، على الاقتصاد، الامتيازات التي تعطى للوظائف الحكومية تقلل من الاقبال على العمل في القطاع الخاص، كما أن قوانين العمل فيما يتعلق بالتعاقدات، والتنقلات، والتوظيف، والفصل من الخدمة، كلها عوامل مؤثرة في سوق العمل، علاوة على ازدواجية الضمان الاجتماعي بين القطاعين العام والخاص، فضعف تغطية مظلة الضمان بالقطاع الخاص يؤدي في العادة إلى التوجه إلى القطاع العام.
كيف يمكن إصلاح الخلل؟
بحسب الخبراء، لا بد من بناء الأساسيات اللازمة لإيجاد نمو مستدام ومتنوع. فالنمو يتطلب إجراءات تدخلية لاستعادة الامن واستقرار المؤسسات، ومن ثم تدعيم الاستقرار والحوافز ضمن مناخ الاعمال على المدى القصير والمتوسط، وتعزي القدرة على الحصول على عمل، وإحداث تحول في دور القطاع العام بوصفه جهة عمل مفضلة للعمل، والحد من هيمنته، وضمان سن تشريعات عمل تكفل منح حوافز كافية لخلق فرص العمل في القطاع الخاص، إضافة إلى الحد من الازدواجية في سياسات الضمان الاجتماعي بين القطاعين العام والخاص.
كيف يمكن تحقيق ذلك وما هي التحديات؟
يكمن التحدي الأول بحسب المختصين بقطاع الأعمال، بضعف سيادة القانون وعدم الاستقرار السياسي، بما في ذلك ضعف المؤسسات، والتحدي الثاني عدم وجود بيئة أعمال مواتية، بما في ذلك السوق المالية، التي لم تصل إلى حد معقول من الحوكمة والشفافية يؤهلها لإدارة اقتصاد غني يعاني من فساد كبير.
التحدي الثالث الذي يواجه تطوير قطاع الاعمال في ليبيا يكمن في عدم تطور رأس المال البشري، ويتجلى ذلك في ارتفاع البطالة والمؤشرات التعليمية، والتدريب و التأهيل.
ملامح عامة يجب النظر إليها
يمثل الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاما 10 في المئة من الأيدي العاملة، وتشكل الإناث 34 في المائة من الأيدي العاملة، و تكشف سوق العمل الليبية عن وجود تباينات واسعة بين الجنسين. تعمل الغالبية العظمي من العمال في ليبيا بالقطاع العام،84 في المئة تقريبا وهي نسبة مرتفعة جدا ، ويعمل غالبية الليبيين في العادة بعقود مفتوحة غير محددة المدة، وخاصة القطاع العام.
يظهر توزيع الأجور أن متوسط الأجر يبلغ قرابة 791 ديناراً ليبياً في الشهر، أي ما يعادل، وهو ما يقارب 100 دولار أمريكي بسعر السوق الموازي، وهو من الأجور المتدنية جدا قياسا بإمكانيات البلد النفطي، وتشير الأرقام إلى نسبة بطالة مرتفعة أيضا تصل إلى 20 بالمئة وهذا أيضا مؤشر سلبي جدا.
ويعاني سوق العمل أيضا من تعدد المرجعيات، فوزارة العمل والتأهيل هي التي تقوم على تنظيم القطاع بنسبة عظمى، وتم إنشاء هيئة خاصة للدفاع عن المحاربين السابقين وخدمتهم وهي هيئة شؤون المحاربين التابعة لرئاسة مجلس الوزراء. وتدير وزارة الشؤون الاجتماعية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يغطي العاملين بالقطاعين العام والخاص بالاضافة إلى من يعملون أعماال حرة، وتغطي المزايا كبار السن، والامومة، والمعوقين، وتدعم العاملين في حالات فقد الوظائف والوفاة.
هل من جديد بعد العيد
واليوم وبينما يحتفل الليبيون بعيد العمل العالمي هل باتت الحكومتان تدركان أنه لا بد من حل مشاكل سوق العمل إذا اردنا تحقيق التنمية، والبدء يجب أن يكون من قانون عمل عصري يوازن بين الخاص و العام، ويحمي العامل ورب العمل معا، مع التوجه لدعم فئات مطلوبة من الأعمال تتعلق بالتعليم والصحة والتكنولوجيا وتوطين الصناعات النفطية على وجه الخصوص، وإعادة هيكلة الغرف التجارية المحلية لتكون قادرة على مساندة خدمات تطوير الأعمال، هل يمكن أن نشهد في ليبيا قريبا قانونا شاملا وعصريا للعمل ينسجم مع توجه الدولة نحو الانفتاح و التنمية في كل المجالات.
اترك تعليقاً