حين تطالع ردود الفعل العربية على العدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية، والإبادة الجماعية الممنهجة، تصاب بالغثيان من تلك الخفة واللغة المبتذلة المستخدمة، أكان في البيانات الرسمية أو مقالات بعض الأدعياء، وكأن كل هؤلاء تخلوا عن إنسانيتهم، أو هم ينافقون الآخر – العدو، من أجل قبولهم في معسكره.
منذ وجدت قضية فلسطين، وجدت الانتهازية السياسية العربية، وكانت سوقا للبيع والشراء، ولهذا لم يحصل العرب طوال القرن الماضي على أي حقوق، إنما كانوا يشحذون فتات ما تلقيه لهم الدول الغربية الاستعمارية، وهم إلى اليوم على هذه الشاكلة.
مناسبة هذا الكلام هو ما درج عليه بعض الشخصيات من تسويق لفكرة خيالية، وهي المساواة في الحقوق بين المغتصب والمغتصبة، بل تحميل الضحية المسؤولية الكاملة في عملية تبرير لا تركب على قوس قزح، وهذه ممارسة عملت على تسويق الجلاد كضحية، لهذا حفلت وسائل الإعلام بالكثير من الكلام عن معاقبة المقاومة الفلسطينية لأنها هي من أقدمت على الرد على أفعال المجرمين.
نفهم أن الأوروبي، العربي والشرقي، يحاول التكفير عن ذنبه عما ارتكب ضد اليهود في القارة العجوز، ولهذا يحاول أن يمنح إسرائيل كل ما يمكنها من الاستمرار باحتلال فلسطين، لكن لم يسأل أحد من العرب المأخوذين بالغرب إلى حد التماهي: لماذا يجب على الفلسطيني دفع الثمن، وما ذنبه إذا كان الأوروبي ارتكب تلك الأفعال، ولماذا على العربي أن يدفع الثمن أيضا؟ أليست الدول الأوروبية هي من عاقبت مواطنيها من اليهود، وهي من دمغتهم بوصمة تدل على دونيتهم؟.
حين كتب بن غورويون في مذكراته في العام 1947 “يجب علينا أن نزعزع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كل من لبنان ومصر والعراق وسورية، وأن نجعل شرق الأردن ساحة قتال خلفية لنا بعد إقامة الدولة”، لم يكن ينتقم من الأوروبيين الذين كانوا السبب بمعاناة اليهود، إنما كان يهدف إلى جعل المنطقة تلتهب طوال عقود، كي تفرغ العرب لأنفسهم، ولا يشكلون قوة ضد الدولة الوليدة.
الخطط الإسرائيلية لا تتقادم، وهي تسير في طريقها مهما كانت العقبات، لكن عندما تواجه بمقاومة ما، وعلى كل المستويات تصبح كلفتها أكثر، ولهذا فإن الجنون الإسرائيلي ردا على عملية “طوفان الأقصى” بسبب فضح ضعف الكيان، وتهافت فلسفته، لكن في المقابل يجد اليوم من يروج بضاعته، ليس في الغرب، إنما في العالم العربي، الذي ابتلي بمجموعة ممن يطلقون على أنفسهم “نخبة مثقفة”، لكن اتضح أنها مجرد ديكور ضخم في الإعلام من أجل أهداف معينة، كانت تظهر عند كل منعطف.
لا شك أن هذه “النخبة” اليوم تعاني من أزمة كبيرة، فما بنت عليه نظرياتها عن إمكانية التعايش بين دولتين على مساحة فلسطين، والدعوة إلى السلام القائم على الاستسلام لعدو صورته تلك “النخبة” أنه البعبع، اتضح أنه مجرد نمر من ورق، لهذا تقاتل تلك النخبة اليوم، أقله بالإعلام والبيانات الرسمية، المقاومة الفلسطينية، وتجرمها، فيما لا ينظر هؤلاء إلى الأطفال والنساء والأبرياء الذين يموتون يوميا بالمئات، لأنهم عميان بصيرة، أو لأن من استأجرهم طلب منهم تأدية هذا الدور للدفاع عن الإبادة الجماعية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً