في ذكرى حرب تشرين العربية الرسمية، تأتي حرب تشرين الفلسطينية وقد أزاحت جزءا من الغمة وبعثت الروح من جديد في الجسد الذي ترهّل بفعل ساستنا المنهزمين.
لخمسة لعقود لم يتعرض العدو الصهيوني لهجوم مكثف على الأراضي الفلسطينية التي احتلها العام 1967، ولم يسبق له أن خسر هذا الكم من القتلى والجرحى والأسرى، كما أنه لم يفقد أي من الأراضي التي احتلها ضمن فلسطين التاريخية، لم يتوقع أن تباغته المقاومة بإنزال على أشبه بالنوردماندي بمظلات بدائية الصنع يقودها أناس نذروا أنفسهم للوطن، قاموا بتصنيع وتطوير ما عجز عنه النظام الرسمي العربي الذي يتشدق بقومية المعركة وحرصه التام على الفلسطينيين.
لقد أثبت أصحاب الأرض أنهم يستطيعون فعل أي شيء فاليأس لم يجد طريقا إلى قلوبهم، ما قاموا به أذهل الجميع، بمن فيهم المحتل، وأثبتت المعركة أن الشعوب العربية رغم تطبيع ساستها مع النهج المقاوم للاحتلال واستعادة الأرض، بضعة حكام عرب مطبعين وصفوا علميات المقاومة بأنها ضد التهدئة، أي تهدئة تلك التي يتحدث عنها هؤلاء والشعب الفلسطيني يعاني وعلى مدى عقود كافة أساليب القمع والجوع والترحيل القسري عن أرض الأباء والأجداد، سكان غزة اليوم هم لاجئون من كافة بقاع فلسطين جمعهم المصير المشترك وانصهروا في بوتقة الوطن فأصبحوا جميعهم غزاويون حملوا على عاتقهم تحرير بقية الأراضي بعد أن أجبروا العدو على الخروج من القطاع صاغرا ذليلا، إنهم فتية أمنوا بربهم وأرضهم، واصلوا الليل بالنهار، فوق الأرض وتحت الأرض وأثبتوا للخانعين أن العزيمة تصنع المستحيل.
استطاعوا أن يحدثوا ثغرات في جدار غزة ويدخلوا الأراضي الفلسطينية المحتلة التي كانت محرمة عليهم وباغتوا المستوطنين ومن يحرسونهم، فقتلوا وأسروا أعدادا هائلة منهم وأجبرت آخرين على مغادرة الأرض التي وُعدوا الإقامة بها، انتشر المقاومون في أراضي تفوق بكثير مساحة غزة وأصبحوا على مشارف الضفة.
ندرك أن العدو ومن خلفه أمريكا والغرب يملكون أحدث أنواع الأسلحة، وبإمكانهم استخدامها وبكثافة وعنجهية ضد القطاع وقد يسببون عديد المآسي للمدنيين، فهؤلاء المجرمين لا يعترفون بالأعراف والمواثيق الدولية أثناء الحروب ومعاملة الأسرى لأنهم ببساطة غزاة محتلين يريدون إحياء أمجاد وهمية وتهجير شعب بأكمله ليعيش في الشتات بينما ينعم هؤلاء بخيرات مهد الحضارات وموطن الرسالات السماوية، ولكن رغم ذلك، فإننا على ثقة تامة بأن من أراد العيش بعزة وكرامة على أرضه وبذل كل جهد في سبيل تحقيق ذلك، لقادر على مجابهة الصعاب.
ونقول لضعاف النفوس الذين يحاولون تثبيط المقاومين وإثنائهم عن القيام بدورهم البطولي، والتهويل بالمصير المشؤوم، بأنهم لن يفلحوا وأن الأمة ستنهض رغم الركام، وضيق ذات اليد وخذلان من يدعون الأخوّة في العروبة والإسلام والإنسانية، وأن التطبيع مع الكيان لن يجدي الحكام نفعا، فما اصطلح على تسميته الربيع العربي ما هو إلا مخطط استعماري بتواطؤ محلي لأجل المحافظة على الكيان الصهيوني ودمجه في محيطه الذي لفظه ورفضه رغم مرور عقود على اتفاقيات كامب ديفيد واسلو ووادي عربة.
تحية للمقاومين في عرسهم الجماهيري الذي يشترك فيه كافة أبناء الوطن، وإن هذه المعركة هي إحدى المعارك التي ستقود حتما إلى استرجاع الأرض وهيبة المواطن رغم المحن.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً