الولايات المتحدة الأمريكية لِما لها من موارد وإمكانيات وقدرات استثنائية، إذا ما قورنت بما سواها من الدول في زمننا الحاضر، قد جعلت لها هذه القدرات ما ليس في متناول غيرها من الدول، وهذا نلاحظ أثره وصداه بوضوح على كل خطوة يتخذها هذا الكيان العملاق اتجاه الحياة فوق هذه الأرض ومحيطها، ولكن وبعدما تمكنت الحياة من جعل العالم في حكم قرية صغيرة، من خلال وعبر ما أنجزته الحياة بخطواتها العلمية الواسعة في مجال الاتصالات والمواصلات وغيرها، صار اختيار سيد المكتب البيضاوي، حيث غرفة القيادة والتوّجيه الرئيسية لهذا الكيان ذو القدرات الهائلة، ليس حكر ووقف على ساكنة الولايات المتحدة الأمريكية، عبر الدورات الانتخابية وبطاقة الاقتراع وصندوقها، ويرجع ذلك في أحد أسبابه، لِما لرب هذا الكيان العملاق وكما أسلفنا من أثر – في زمننا الحاضر – على إيقاع الحياة في مسيرتها نحو غاياتها على هذه الأرض.
وهذا الاستثناء الأمريكي في الموارد والإمكانيات والقدرات – في تقديري – نبّه ومن ثم جعل ممن لديهم من الآخرين، الممثلون فى دول نافدة وشركات عالمية عملاقة بتنوعاتها وأسواقها ومنظمات إقليمية ودولية، إلخ، والذين في استطاعتهم وفي متناولهم القدرة والرغبة للحضور في داخل متن الحياة ومشاغلها، أن يتكاثفوا ويجتهدوا على الدفع بمسيرتها في الاتجاه الذي يجعل منهم حاضرين في عمق مشهدها، لا على أطراف هامشها القصيّ.
وهذا استحث هؤلاء وحفّزهم بألا يتجاهلون ويغمضوا أعينهم عن مدى فعل وثقل هذا الاستثناء الأمريكي في الموارد والإمكانيات والقدرات، ووقع تأثيره وأثره على تحقق رغبتهم وطموحهم المأمول على أرض الواقع، مما استثار واستنفر كل قدراتهم، بغرض توظيفها لتمهيد الطريق إلى البيت الأبيض، أمام ممن يفسح لهم حيز مناسب داخل دوائر الفعل، خلال الآتي من السنين والعقود المقبلة من الدهر والعكس في مضمون الكلمات الآنفة صحيح أيضا.
هنا أصل بالقول بأن المسائلات القانونية المتعددة والمتنوعة التي ما أنفكت تلاحق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، كانت – في تقديري – وفي ظاهرها ملاحقة قانونية، أمّا مضمونها فقد كان في ما أشارت إليه، وجاء سلفا مُحمولا على كلمات السطور السابقة.
فالملاحقة القانونية كانت أداة في يد هؤلاء ووسيلة، قد يستطيعون بها ويوظفونها في وضع الكثير من العثرات في الطريق، الذي سيسلكه دونالد ترمب، بغّيت عرقلة حركته وتثبيطها عن الوصول إلى فناء البيت الأبيض قبل غيره من المتنافسين.
جاء كل هذا – في تقديري – بعد ما تبين هؤلاء، من خلال متابعاتهم لمقاربات ومُشاغلات الرئيس دونالد ترمب في دورته الرئاسية السابقة، لِكل ما كان مُعّتمدا وسائد منذ عقود طويلة، في ضبط إيقاع حركة الحياة في شئونها العامة، على هذا الكوكب وفضاءاته، والذي جاء وصِيغ عُرفا على هيئة ترتيبات دولية، إثر نهايات الحربين العالميتين، وبما يتوافق وينسجم مع رغبات المنتصرين في معاركها الطاحنة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد فى مقاربة الرئيس الأمريكي السابق، لما يعانيه الفضاء الإقليمي لجنوب وشرق المتوسط أو ما عُرف بالشرق الأوسط، من اختناقات واستعصاءات عصفت ولازالت بهذا الفضاء الجيوسياسي قد ذهبت مُقارباته واتخذت وسلكت ذات النهج الذي ارتاده سابقين، وانتهى ببعضهم إلى تحّيدهم غيّلة والآخرين إلى نهايات غامضة، بدءا من روجرز عبد الناصر مرورا بمشروع كمب ديفد وانتهاء بأريحا أولا، أو لقاءات أوسلو عاصمة النرويج.
وهذه النهايات لأصحابها، قد تقول في ما تقوله، بأن ليس مقبول المساس باستعصاءات هذا الفضاء الجيوسياسي والمطلوب تركه على حاله، وهنا يأتي الاستفهام القائل، هل في هذا الاستعصاء يكمن أكسير الحياة المُغذي لديمومة واستمرار كيان الشرق الأوسط؟، وهل مقاربته على هذا النحو قد تنتهي إلى تفكيك هذا الاستعصاء الذي يظهر وكأنه يمثل الركيزة الأساسية التي ينهض عليها هذا الكيان، فيتداعى بنيانه ويخر على رؤوس أربابه ومنظومته العميقة، وهذا ما لا يقّبله ويرفضه كما أسلفنا، من جاءت ونهضت على يده الترتيبات الدولية مع بداية ونهاية الحرب العالمية الأولى، التي تمخضت عن هذا الكيان وقذفت به إلى الوجود.
ولكن وفي المقابل ينهض وعلى وجه آخر، استفهام موازي يقول، هل مقاربة الرئيس الأمريكي السابق، على هذا النحو، لأسباب ما يعانيه فضاء جنوب وشرق المتوسط من بؤس وتخلّف، وما ينتج عنهما من ارتدادات سلبية على الأمن والاستقرار المحلي والإقليمي ومن ثم الدولي، يرجع إلى رفض الأمريكي وعدم قبوله التعاطي والتفاعل مع هذا الفضاء الحيوي كمفردات ينهض عليها كيان وبنيان الشرق الأوسط؟، وذلك لما ألحقه ويُلحقه هذا التعاطي من ضرر ببلاده، تمثل في حرب أفغانستان واستهداف برجي التجارة العالمي وحرب العراق الأولى والثانية، وما سببه ويسببه ذلك في مُخرجاته من احتقان قد يعود بالضرر عاجلا أو آجلا على بلاده.
من هنا، لابأس من القول بأن هذا التضارب في القراءات لكيان الشرق الأوسط الذي يصل في أحداها إلى رفض المساس بكيانه، حتى وإن تطلّب ذلك الذهاب إلى تحيّد من يفكر ويسعى إلى هذه الغاية وآخر يرى في وجوده خطر ماثل يُهدد بعدم الأمن والاستقرار لبلاده، بل ويتخطاها ليطال الأمن والاستقرار الدوليين، هذا التضارب في القراءات للكيان المذكور وغيرها، هو من خط هذا التناول وجاء بعنونته على هذا النحو.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً