تتنوع الأزمات التي تعاني منها 16 دولة عربية، وبعضها تتشابه من حيث الأسباب، فما هي الأسباب؟.
من ليبيا، إلى العراق، واليمن، وسورية، ولبنان، وتونس، وفلسطين، والسودان، والصومال، حتى جيبوتي، وجزر القمر، ومصر، والأردن، وموريتانيا، وصولا إلى المغرب والجزائر، فهل المشكلة من الداخل أم من الخارج، أم أن عوامل الداخل جلبت تدخل الخارج؟.
إذا أجرينا قراءة هادئة لواقع تلك الدول نجد أن القاسم المشترك بينها الفساد، وغياب الإدارة، وتسلط أصحاب المصالح، وتغييب المشاركة الشعبية الحقيقية لمصلحة تلك الشكلية بغلاف ديمقراطي ما يؤدي إلى فساد السلطة.
صحيح أن الفساد يعم العالم العربي كله، لكن بدرجات متفاوتة، وفيما بعض الدول تحافظ على شكل الدولة، ومؤسساتها، هناك أخرى تفتقد أدنى مقومات الحصافة في ممارسة السلطة، وترى أنها وجدت لتبقى، ما جعل الزعماء أنصاف آلهة، لكنهم في الواقع ليسوا أكثر من أقنعة، وعروش خاوية، استمدوا سلطتهم أولا من ثقة الناس بهم، ثم جيروها إلى استبداد، وبعدها ساروا على المنوال نفسه، لهذا مثلا تجد أحزابا أصبحت مؤسسات ذات ملكية خاصة لهذا الزعيم أو ذاك، وكذلك بعض الرؤساء، وحتى الوزراء والنواب.
أدرك جيدا أن كثيرين لا يقبلون هذا التوصيف، لكنه الواقع الذي علينا أن نعترف به إذا كنا نريد الخروج من المأزق، إذ لا يمكن أن تكون 16 دولة عربية تعاني من أزمات بفعل المؤامرة، والتدخل الخارجي، لأن هذا في الحقيقة استغباء للشعوب العربية، وهذا في حد ذاته جريمة.
يوميا نسمع ونقرأ عن مؤامرات، وتدخلات خارجية، لكن السؤال: كيف يقبل المعنيون أن يكونوا دمى في أيدي هؤلاء، إذا كان ذلك صحيحا، أوليس لديهم إرادة على منع ذلك؟.
لا شك أن الأسباب الحقيقية غير ذلك إطلاقا، فهي ذاتية محلية، تبدأ من الخيارات الخطأ، وتصل إلى حد التنازل لكرمى عيون هذا الزعيم أو ذاك، أو هذا الحزب أو تلك الجبهة والحركة، لأن مافيا الحكم ربطت الناس من لقمة عيشها، كما هي الحال في لبنان، أو عملت على تنمية الحس الطائفي والمذهبي، كما في العراق، أو استقالت من دورها كما هي الحال في ثلاثة أرباع الدول العربية، وفوضت من ليس أهلاً لإدارة مصيرها، وهذه أيضا جريمة كبرى.
لقد تمكن أولئك من تحويل الفساد سلوكا عاما وظاهرة اجتماعية تتوارثه الأجيال، أما بحجة الانتماء، أو الظروف الطارئة التي أصبحت دائمة.
في هذا الشأن كتب وليد حاجي “في أبجديات الحكم كل سلوك مدروس له قواعد وظروف مثالية يظهر ويتنامى فيها، والفساد سلوك ينتجه الغياب التام للرقابة الذاتية والمتمثلة في الضمير والمبادئ والرقابة العامة والمتمثلة في القوانين والضوابط التي تسهر على تطبيقها الدولة، وهنا يظهر جليا أن سلطات فاسدة لا يمكن أن تضمن وجودها إلا في مستنقع مجتمعات فاسدة”.
هكذا يمكن القول إن هذه الظاهرة أصبحت نمطا سلوكيا، وهي لها أدواتها تبدأ من تنشئة الفرد، وتأثيره في المجتمع، والتباهي بقوة الطرف الذي يدعمه، وهذا يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي مجتمعياً وتعليمياً، ولهذا فإن المشكلة بخيارات الأفراد، أما الحديث عن مؤامرات خارجية، فهي محض افتراء، لهذا علينا الاعتراف أننا كلنا فاسدون، رغما عنا أحيانا وبإرادتنا مرات أخرى.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً