رغم عدم تحقيقها لأي تقدم ملموس في مهمتها الأساسية، وهي إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، وتجاوزها لمهامها الأساسية بالتدخل في توجيه الصراع السياسي، إلا أن اللجنة العسكرية ضبطت المسار العسكري، وحافظت على وقف إطلاق النار، وفتح الطريق الساحلي شرقا وغربا، وهي تواصل اجتماعاتها برعاية الأمم المتحدة، منذ توقيع وثيقة وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، مع مهام متعددة مناطة بها، كتشكيل قوة أمنية مشتركة لتنفيذ عدة مهام أمنية، وإعادة تأهيل المجموعات المسلحة، ودمجها في القوات الرسمية.
ثمة عوائق عديدة تحول دون إحراز تقدم واضح، في كل الملفات التي تعمل عليها اللجنة، أبرزها المواقع القيادية للجيش والأركان العسكرية، والأجهزة الأمنية، ودور خليفة حفتر، الذي يصر على فرض نفسه قائدا عاما، رغم عدم انطباق شروط المنصب عليه، فضلا عن الرفض الواسع في غرب البلاد لتوليه أي مناصب قيادية سياسية أو عسكرية، بسبب جرائمه في حق الشعب الليبي.
دخلت فرنسا على خط اللجنة العسكرية، بإشرافها على اجتماع سابق عقد بتونس، ودعوة اللجنة خلال اليومين الماضيين، إلى باريس مع رئيسي الأركان الحداد والناضوري، وحسب البيان الصادر عن الخارجية الفرنسية، فإن الاجتماع تمحور حول “توحيد المؤسسات العسكرية، وإرساء الاستقرار في البلاد، مع الحرص على احترام السيادة الليبية احتراما كاملا…. وترمي إلى تكوين وحدات مشتركة، بغية إرساء الأمن على الحدود الليبية، والتصدي للإرهاب، والتدخلات الأجنبية المزعزعة للاستقرار”.
تبدو لغة البيان والأهداف النبيلة المعلنة عبر سطوره، وكأنها صادرة من دولة أو مؤسسة غير متورطة في الصراع بشكل مباشر، ولم تلعب دورا في زعزعة الاستقرار، بدعمها لأحد أطراف الصراع، وموقفها في عدم صور بيان قوي، يدين عدوان حفتر على طرابلس، في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي.
فرنسا من أولى الدول التي ساهمت في زعزعة استقرار ليبيا، بإرسالها فرق مخابرات وضباط عسكريون، لمساندة مشروع حفتر في السيطرة على البلاد، ما دفع دول أخرى إلى التدخل لحماية مصالحها ضد محاولات الحكومة الفرنسية، تعظيم نفوذها ومصالحها في ليبيا، على حساب مصالح الدول الأخرى، فهل تحسب أن الليبيين نسوا سقوط مروحية عسكرية جنوب بنغازي في يوليو 2016، ومقتل ضباط فرنسيين كانوا على متنها، وفرار فريق مخابرات فرنسي من مدينة غريان، عبر الحدود التونسية، كان يقدم الدعم الاستخباراتي لقوات حفتر، أثناء هجومها على طرابلس عام 2019، تاركين وراءهم صواريخ جافلين الأمريكية، ما اضطر السلطات الفرنسية إلى الاعتراف بملكيتها للصواريخ، وفي الفضيحتين كان المبرر هو الحرب على الإرهاب.
الدور المزدوج الذي لعبته فرنسا لم يخف على المتابعين والمراقبين، ففي حين كانت تتحرك على الأرض في الصراع، دعما لطرف بالسلاح والخبراء الأمنيين والعسكريين، كانت تصادق على بيانات الاتحاد الأوروبي، ومجلس الأمن الداعية إلى إنهاء الأزمة عبر التفاوض، والتوصل إلى تسوية سياسية بالطرق السلمية، وجمعت الأطراف الليبية أكثر من مرة، بزعم البحث عن تسوية سياسية، متجاوزة بعثة الأمم المتحدة، التي يفترض أنها جهة محايدة ستراعي مصالح كل الأطراف المحلية الإقليمية والدولية، لضمان حلول مقبولة من الجميع، ما دفع بعض الدول إلى السير على نفس الطريق، وعقد مؤتمرات حول الأزمة الليبية، للحد من محاولات فرنسا الهيمنة على الملف الليبي، ونتيجة لتعدد الطباخين لم تنضج أي طبخة لتكون طبقا رئيسيا على مائدة الحل.
الدخول الفرنسي الأخير على اللجنة العسكرية، من المحتمل أن يكرر نفس السيناريو السابق، فتبادر إيطاليا أو تركيا أو روسيا إلى استضافة اجتماعات اللجنة القادمة، لمنافسة الأجندة الفرنسية أو إحباطها، وبتراجع دور البعثة الأممية في الإشراف على اللجنة، وفتح باب التدخل الدولي في اجتماعاتها وأعمالها، قد يدفع بها إلى الفشل في إنجاز أي من مهامها.
فهل هذا ما تسعى إليه الحكومة الفرنسية؟ ورغم أن اللجنة فنية بحتة، مهامها محددة بضبط المسار العسكري، من خلال ملفات توحيد الجيش، وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، ولا ينبغي إقحامها في الشأن السياسي، إلا أن الرئيس الفرنسي أعلن خلال اجتماعه معها أمس عن الموقف الفرنسي من الانتخابات الليبية، بقوله أنها يجب أن تكون غير إقصائية، ومتاح لجميع الأطياف السياسية المشاركة فيها، وهنا يعني أنه لا يرى مانعا في ترشح أي متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما توعد بفرض عقوبات دولية على من يمنع حركة المرشحين، أو يعرقل سير العملية الانتخابية، مؤكدا بكل غطرسة أن النقاط التي أعلنها ستتفق عليها الدول الكبرى والدول المعنية بالأزمة في مؤتمر دولي مقبل يعقد في باريس.
عودة المؤتمرات الدولية حول ليبيا، في عواصم متورطة في الصراع سيكون نذير شؤم، لأن كل المؤتمرات السابقة لم تُحقق أي تقدم ملموس، ولا تسري هذه النتيجة على مؤتمر برلين، الذي حقق بعض النتائج المهمة، لأن الشرط الأكثر أهمية كان متوفرا، وهو عدم تورط الدولة المضيفة في الصراع.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً