أعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، عن شديد إدانتها واستنكارها حيال قيام السلطات التونسية بطرد المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء إلى المناطق الحدودية الليببة، الذين كانوا متواجدون بالمنطقة الحدودية الليبية التونسية برأس اجدير بعد نقلهم من عديد الولايات التونسية التي كانوا متواجدين بها منذ أشهر وسنوات إلى الحدود الليبية، بغية تنصل السلطات التونسية من مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والإنسانية إتجاه هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء المتواجدين على أراضيها وإلقائها على ليبيا، من خلال افتعال هذه الأزمة الإنسانية على الحدود الليبية.
وفي بيان تحصلت “عين ليبيا” على نسخة منه، أدانت اللجنة واستنكرت ما وصفته بتواطؤ وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلس، ورئيس جهاز حرس الحدود التابع لوزارة الداخلية، مع الجانب التونسي من خلال السماح بطرد وإبعاد هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء إلى ليبيا من قبل السلطات التونسية، وتسهيل إدخال هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء الذين كانوا متواجدين بالمنطقة الحدودية الليبية التونسية المشتركة، رغم إعلان وزير الداخلية المكلف عن إطلاق عمليات أمنية مكثفة لتأمين الحدود الليبية التونسية المشتركة من قبل جهاز حرس الحدود، وتحميل ليبيا مسؤولية السلطات التونسية إضافة إلى المسؤوليات الإنسانية الملقاة على عاتقها.
وأشار البيان إلى أنه جرى إدخال عدد 360 مهاجرا من بينهم نساء وأطفال وعوائل من منطقة صحراوية غير مأهولة قرب منطقة العسة، على بعد حوالي 150 كيلومترا جنوب غرب طرابلس، وعلى بعد حوالي 15 كيلومترا من الحدود الليبية التونسية، وأدعت وزارة الداخلية بأن دوريات جهاز حرس الحدود التابع للوزارة قد قامت بإنقاذ هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء بعد أن وجودوا تائهين بالمنطقة الحدودية الليبية التونسية المشتركة، وتصوير الأمر على أنه عملا إنساني، بينما في حقيقته ما هو إلا استغلال للجانب الإنساني للتغطية على جريمة التواطؤ مع الجانب التونسي في طرد جماعي وقسري لهؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء المتواجدين بتونس إلى ليبيا.
وطالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا مكتب النائب العام بفتح تحقيق شامل في ملابسات واقعة الإهمال في أداء الواجب من قبل جهاز حرس الحدود التابع لوزارة الداخلية، وشبهة وجود تواطؤ من جانب الجهاز، وكذلك وزير الداخلية المكلف مع الجانب التونسي ساهم في تسلل ودخول هؤلاء المهاجرين إلى ليبيا، وعدم الاكتفاء بالرواية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، في ظل تداول معلومات خلال الفترة الماضية عن وجود مخطط واتفاق سري لإدخال هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء المتواجدين بتونس إلى الشريط الحدودي الليبي التونسي، ومن ثم نقلهم إلى الحدود الليبية.
ونوهت اللجنة إلى أن ممارسات السلطات التونسية هذه ترتكز على فرضية أن هؤلاء الأجانب قد مروا بليبيا أو الجزائر قبل دخول تونس، رغم أنه قد تم القبض على بعض الأشخاص أثناء محاولتهم مغادرة الأراضي التونسية واعتراضهم في البحر من قبل غفر السواحل التونسي، وإعادتهم إلى السواحل التونسية، أو أنهم قد دخلوا تونس عن طريق المنافذ الجوية التونسية وبطرق قانونية بدلا من العبور عبر الدول المجاورة، بالإضافة إلى مهاجرون دخلوا تونس قانونيا، ومن بينهم طالبي لجوء مسجلين لدي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتونس.
وجددت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، تأكيدها على أن ممارسات السلطات التونسية اتجاه نقل المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء المتواجدين على أراضيها إلى الحدود الليبية التونسية المشتركة وابعادهم بشكل قسري إلى ليبيا بتواطؤ من وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية، منافية للقيم الإنسانية وللقانون الدولي الإنساني، وكما تشكل تصرفات السلطات التونسية انتهاكا واضحا لأحكام إتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، التي صادقت عليها تونس عام 1957، حيث تنص إتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية حول النواحي الخاصة بمشاكل اللاجئين في أفريقيا لسنة 1969 على التالي: “لا يجوز أن يتعرض أي شخص من قبل دولة عضو لتدابير مثل رفض الدخول على الحدود أو الإعادة القسرية أو الطرد التي من شأنها أن تلزمه بالعودة أو البقاء في إقليم حيث تكون حياته أو سلامته الجسدية أو حريته مهددة للأسباب المذكورة في المادة 1 الفقرتين 1 و2 “.
وأضافت اللجنة أن عمليات الترحيل إلى ليبيا، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها دولة آمنة لإعادة المهاجرين إليها، لا تمتثل للقانون الدولي والإقليمي ومبدأ عدم الإعادة القسرية، مشيرة إلى أن عمليات الطرد التعسفي غير القانونية التي تقوم بها الدولة قد أصبحت ممارسة شائعة.
ولفت بيان اللجنة إلى أن هذه الحادثة تعتبر هي الأكثر خطورة بحكم أن ليبيا بلد لا يوجد به تشريع متعلق بحق اللجوء، وغير منظمة لاتفاقية 1951م الخاصة بوضع اللاجئين، ولا يمكن القبول بممارسات السلطات التونسية التي تحاول من خلالها التنصل من مسؤولياتها القانونية والإنسانية من خلال نقل اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين المتواجدين على أراضيها، بقصد إجبارهم على الدخول إلى ليبيا، وتحميل ليبيا مسؤولية السلطات التونسية إتجاه المهاجرين المتواجدين على أراضيها.
وفي هذا السياق، طالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، السلطات الليبية متمثلة في المجلس الرئاسي الليبي وحكومة الوحدة الوطنية، بأهمية التحرك العاجل إزاء قيام السلطات التونسية بعمليات النقل والطرد الجماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء المتواجدين على أراضيها الذين يتم نقلهم إلى الحدود التونسية الليبية، بغية تحميل ليبيا مسؤولية هؤلاء المهاجرين وطالبي اللجوء.
ووفقاً لبيان اللجنة، فإنه يستوجب على السلطات التونسية معالجة هذه المسألة انطلاقا من المسؤوليات والالتزامات القانونية الملقاة على عاتقها، في إطار الحفاظ على الحياة البشرية، والاحترام الكامل للكرامة البشرية، وضمانات احترام حقوق الإنسان والقانون الدولى الإنساني في هذا الشأن، والمواثيق الدولية ذات الصلة، بما يكفل احترام البعد الإنساني وضرورة احترامه، باعتبار هؤلاء ضحايا لشبكات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر قبل أن يكونوا مهاجرين غير نظاميين.
كما دعت اللجنة، السلطات التونسية إلى وقف هذه الإجراءات التعسفية ومعاملة المهاجرين بكرامة وإنسانية، وبما يتماشى مع التزاماتها الدولية في هذا الشأن.
وذكَّرت اللجنة، بأن سياسات نقل حدود الاتحاد الأوروبي إلى دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، وإلزامها بلعب دور حرس لحدودها، قد ساهمت إلى حد كبير في الوضع المأساوي الحالي، وتفاقم معاناة المهاجرين وطالبي اللجوء القاصدين أوروبا جراء هذه السياسات الأوروبية وعدم وضع إستراتيجية شاملة تنطلق من منطلقات إنسانية وقانونية وأمنية واقتصادية، تشمل دول المنبع والعبور والمقصد، والتركيز على الحلول الأمنية غير تاناجعة والتي أثبت فشلها.
هذا وأعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، عن تخوفها وقلقها الكبيرين حيال مصير المهاجرين غير النظاميين واللاجئين اللذين يتم إعادتهم قسريا إلى ليبيا من أوروبا، والذين لازالوا في ليبيا، وما يتعرضون له من جرائم وانتهاكات جسيمة جراء ما تقوم به بحقهم عصابات الجريمة والجريمة المنظمة وشبكات التهريب والاتجار بالبشر، وذلك نتيجة انهيار الأمن وحالة الفوضى العارمة التي تشهدها البلاد، وعبرت عن استيائها البالغ حيال تجاهل دول الاتحاد الأوروبي للصعوبات والمخاطر والتحديات والجرائم التي يُعانيها المهاجرون في ليبيا خاصة استغلال المهاجرين من قبل شبكات وعصابات تجار البشر التي تنشط في عموم البلاد، مما يستوجب على دول الاتحاد الأوروبي تحمل مسؤوليتها القانونية والإنسانية تجاه معاناة المهاجرين وذلك وفقا لما نص عليه القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الانسان، وعدم التنصل من مسؤولياتهم، وتحميل ليبيا مسؤولية هؤلاء المهاجرين القاصدين أوروبا وليس ليبيا.
وأكد بيان اللجنة على أن سياسات الدول الأوروبية تجاه المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء المتواجدين من خلال عمليات الصد والاعتراض لقوارب المهاجرين والإعادة القسرية لليبيا، تتنافى مع القيم الإنسانية والقانون الدولي الإنساني، وتتعارض مع الالتزامات الملقاة على عاتق هذه الدول، وستؤثر سلبا على واجبات الدول الأوروبية تجاه المهاجرين إلى أوروبا، وذلك وفقا لما نص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث يتعين على دول الاتحاد الأوروبي ألا تغفل عن الطبيعة الإنسانية لأزمة اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا الفارين من بلادنهم التي تنعدم فيها مقومات الحياة والفقر والبطالة وعدم الاستقرار وأعمال العنف.
ونوهت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا إلى أن موقفها هذا يرتكز على منطلقات إنسانية وقانونية وأمنية ووطنية بحتة، ومن بينها حالة النزاع المسلح وانتشار السلاح وعدم الاستقرار وتفشي الجريمة وتفاقم مؤشرات المخاطر الأمنية على حياة وسلامة المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء ولتصاعد خطر الجريمة المنظمة وتصاعد وثيرة انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا والتي كان المهاجرين أبرز ضحايها، وبالنظر أيضآ إلى حجم التحديات الأمنية وتصاعد مؤشرات نشاط شبكات تهريب وتجارة البشر وعصابات الجريمة المنظمة، والمخاطر الواضحة على الأرواح، بات من الملح أكثر من أي وقت مضى، وقف عمليات إعادة المهاجرين واللاجئين إلى ليبيا ووضع آلية لضمان حماية المتواجدين على أراضيها نظرا لحجم المخاطر والتهديدات التي تمس حياة وسلامة المهاجرين واللاجئين جراء النزاع المسلح القائم في طرابلس، بالإضافة إلى الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحق المهاجرين واللاجئين المستضعفين المتواجدين بمراكز الاحتجاز والإيواء.
واختتمت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا بيانها بمطالبة دول الاتحاد الأوروبي بتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والإنسانية تجاه المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء المستضعفين بالتوقف عن إعادتهم القسرية إلى ليبيا مجددة تأكيدها على رفضها لأي مقترح أو مشروع أو بروتوكول أو اتفاقية أو مذكرة سياسية أو قانونية يتم من خلالها إعادة المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء إلى ليبيا أو توطينهم في ليبيا.
اترك تعليقاً