الواضح بأن نجاح السيد رجب طيب أردوغان في الجولة الأولى من الانتخابات على منافسه السيد كليشدار أوغلو ستقلب موازين العالم أو بالأحرى ستعدل ميزان القوى في العالم وستخلق نوع من الاستقرار في بعض الدول المشتعلة كما في السودان، فهذا الاهتمام المتزايد بالانتخابات التركية، إضافة إلى المشاركة الشعبية للأتراك والتي تجاوزت 90% زاد في اتساع العيون المراقبة لسير الانتخابات في تركيا وتزايدت المخاوف من بروز تركيا كعنصر أساسي في أتزان المعادلة الدولية المتأرجحة اليوم. فتركيا التي تضاعف انتاجها القومي بعد تسلم حزب العدالة والتنمية، بقيادة أردوغان، إلى أضعاف مضاعفة، ووصلت الصناعات العسكرية إلى مستويات متقدمة بحيث باتت لها الريادة في الطيران المسير. العالم اليوم يراقب الانتخابات في تركيا لأن إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية، إضافة إلى تفوقها في المشاركة الديمقراطية، باتت تؤهلها بأن يكون لها أوراق لعب على طاولة السياسة العالمية تستطيع أن تجني منها مكاسب مادية اقتصادية وسياسية.
لماذا هيبة تركيا ؟
تركيا تصنع اليوم هيبتها في عالم تتقاذفه أمواج التغيير، بين طرفين يتنافسان على المكاسب المادية البحتة، القوة الاقتصادية، مستخدمين القوة الصلبة، يتمثلان في روسيا ومن ورائها الصين، وأمريكا من ورائها بريطانيا والنيتو لفرض الهيمنة وقيم أخلاقية متضاربة في مجملها ومتناقضة مع الفطرة أحياناً، إلا أن ما تُعلمه تركيا للعالم اليوم هي دورساً بالتأكيد ستكون مفيدة للأمة الإنسانية ويمكن أن نجملها في الآتي:
- الدرس الأول الذي نتعلمه من تركيا تمسكها بالديمقراطية والمنافسة السلمية في الوصول إلى سدة السلطة، بالرغم من استبعاد حوالي مليون صوت كأصوات باطلة نتيجة بعض المخالفات غير المحقق فيها، والمساهمة في وعي شعبها بأهمية الديمقراطية إلى مستوى تصديه للانقلاب العسكري، بدعم عالمي، في 15 يوليو 2016.
- فتح باب التنمية والإنتاج أمام محركات الاقتصاد الخاصة والعامة، وعمل على تخفيض نسب فوائد الإقراض، والتي ينتقده بسببها الكثير، فوسع ذلك من قاعدة تركيا الاقتصادية، وزاد من فرص شركاتها المعمارية والتصديرية في العالم.
- الأزمات تقوي تركيا وأردوغان، وما حصل من زلزل، طبيعي أو مصطنع، في 6 فبراير من هذا العام لم يثني من عزيمة أردوغان وحكومته من مواصلة الطريق نحو الانتخابات، بل وتعاطى مع الفاجعة بكل هدوء وثبات وكان في الموعد مع المتضررين، وصرف لهم الأموال التي بالتأكيد كانت محفزة للاستهلاك والإنتاج مما زاد من النمو الاقتصادي، وتشير التوقعات إلى أن حجم الاقتصاد في تركيا يصل هذا العام إلى 1.03 تريليون دولار.
- تلعب تركيا بقيادة السيد أردوغان في المواءمة بين المتناقضات الدولية والتفنن في المرونة والمناورة الدبلوماسية، بحيث لا تتنصل تركيا من مسؤوليتها في النيتو، ولكن في نفس الوقت تحافظ على علاقتها مع روسيا والصين. بل تُجاري وتتوافق مع سياسة روسيا برفض انضمام السويد لحلف النيتو، وفي نفس الوقت تُرضي أمريكا بقبول فنلندا. بل تسهم في العمل الإنساني بالسماح لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود التي مددت اتفاقيتها في 18 مارس 2023م إلى 120 يوماً ووافقت روسيا على 60 يوماً فقط.
- العمل على الاستقلالية، إلى حدٍ كبير، في إمكانياتها الدفاعية والعسكرية، وتوقيع اتفاقيات عسكرية مع دول تخدم مصالح تركيا أولاً.
بسبب قرابة مليون صوت باطل جعل فوز السيد أردوغان في الجولة الأولى بنسبة 49.35 ولم يتجاوز 50%، إلا أن مراجعة الأسباب التي أدت إلى بطلان تلك الأصوات ستمكن للسيد أردوغان في الجولة الثانية من اكتساح الانتخابات. الغرب وعلى رأسهم أمريكا يناصبون العداء لحزب العدالة والتنمية وقيادتها الرشيدة والتي على رأسهم السيد أردوغان، إلا أن الإدارة الأمريكية تعي جيداً بأن تركيا كثاني قوة في النيتو وتملك خيوط التواصل والدبلوماسية مع القوى العالمية ومع ودولة إسرائيل، لن تدور في فلكها و تكون تابعة لها، ولكن تسطيع أن تلعب دوراً مهماً جداً في توازن اللعبة الدولة وخلق استقرار أفضل للعالم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً