هذه الطاقة الزلزالية التي ضربت بعضا من الأرض التركية فدمرتها تدميرا، قد كانت حدث استثنائي من حيث الخراب الواسع والعدد الكثير من الضحايا التي تركته ولا زالت، وقد عرّفتنا وسائل الإعلام التي رافقته نقلا وتغطية، بأن هذه الرقعة الجغرافية الواسعة من الأراضي التركية، تقع وتتموضع على صدع أو خط زلزالي طويل يمتد من غرب القارة الإفريقية جنوبا إلى الأطراف الجنوبية لقارة آسيا شمالا.
العلماء والخبراء من دارسي علم الزلازل، وفي آخر تصريح لأحدهم، أرجع ذلك إلى اقتراب القمر والمريخ من كوكب الأرض تسبب في حالة حرجة للقشرة الأرضية نتج عنها كما يقول تكسر في الصفائح فى الأعماق، فجاءت بالزلزال الذي دك بعضاً من الأراضي التركية ودمرها تدميرا.
أنا هنا سأبتعد عن ما جاء به الجيولوجيون ودارسي علم الزلازل، وسأقارب هذا الحدث المدمر متكأ على البيئة الثقافية التي تٌشارك في ضبط إيقاع الحياة على جغرافية جنوب وشرق المتوسط، تلك البيئة الثقافية التي شكّلتها عبر مسيرة الحياة روافد عدّة، ومن أهمها ما جاء كوحي من السماء.
ولكن قبل المرور إلى ما أود قوله، اقول لقد صار من المتعارف عليه بأن الدمار التي تُخلفه العواصف والزلازل والبراكين والظواهر الطبيعية العنيفة من ورائها، بأنه وجه من وجوه غضب الطبيعة، وهو قول يحمل في ما معناه بأن للغضب طاقة مدمرة، وهذا في مضمونه قول لا يجاوز الحقيقة، فالإنسان عندما تكتنفه حالة من الغضب يكون في الواقع حبيس طاقة مدمرة سترتد عليه سلبا في معاناة صحية (سكري، قلب، شرايين،، إلخ)، إن لم يعمل على تصريفها خارج كيانه، وقد تظهر عند البعض ممن تكتنفه حالة من غضب مرتفع أثارها المدمرة في محيطة كأن يحترق المصباح الكهربائي لحظة محاولته إضاءته، وأحيانا يصاحب هذا الاحتراق انفجار (فرقعة) مرفوق بتشظي زجاج المصباح.
كنت احاول الوصول بالقول بأن هذه الطاقة المدمرة، إن تم توجيهها على نحو جمعي غاضب لتُصب على مصدر وباعث الغضب ستكون لهذه الطاقة الغاضبة مفاعيل مدمرة على باعث الغضب ومصدره وقد تكون مساوية له في القوة ومعاكسة له في الاتجاه.
ما ألح على هذه المقاربة هذا التشابه حتى التطابق في النتائج المدمرة التي خلّفها الزلزال بارتداداته المتتالية على البقعة التركية، وأثار ذاك الخراب الذي تركته أيادي تلك الزمر التي انطلقت من جنوب الجغرافية التركية لتمدد في فضاء جغرافية الجوار بسوريا والعراق مصحوبة بدمار وخراب طال كل شيئ مُخلفة ورائها الآلاف من القتلى واليتامى والتكالا والمترملات والمشوهين بدنيا ونفسيا، مقرونا كل ذلك بقرى وبلدان سويت أنقاض بالأرض ومدن صارت بأفعالهم أثر بعد عين.
وهنا أصل بالقول مستفهما، هل من رابط ما بين هذا وتلك، ما بين زلزال تركيا وفعل تلك الزمر بجغرافية الجوار التركي سوريا والعراق؟، قد يكون هذا الرابط مؤكد عند كل مَن كان الرافد القرآني أحد الركائز الأساسية الهامة في تشكل وصياغة شخصيته في أبعادها الفكرية والثقافية، فهؤلاء على يقين تام بأن للغضب الناجم عن البغي والجوْر أو أي وجه من وجه الظلم له طاقة ذات مفاعيل عالية التدمير، إذا أحسن توجيهها.
فللغضب الناتج عن بغي وحيف وجوّر والظلم بوجه عام، طاقة لها مفاعلها إن وُجّهت نحو مصدر الغضب وبواعثه فقد بيّن (الكتاب) ووضح الآليّة لتفعيل ذلك كما جاء في (آية المباهلة)، وحددها بصب اللعنات الجماعية على مصدر الغضب وبواعثه.
فهذه الملايين المستضعفة من النساء والشيوخ والولدان التي هُدمت بيوتها وهُجرّت عنوة من أوطانها، وتُكّلة ورُملت نسائها وفَقدت أطفالها وأبنائها وأمهاتها وأبائها، وعانت كل الظروف الجوية الصعبة القاتلة في متاهات التيه نحو المجهول، فهذه الملايين المستضعفة التي تُجيش صدورها بغضب عارم ستتوجّه وعلى نحو تلقائي بحكم مرجعيتها الثقافية لتصب جام لعناتها تجاه مصدر الغضب وباعثه، تجاه تركيا الحاضنة ومُغذية بكل ما تحتاجه تلك الزُمر، لتعمم به هذا الدمار الذي غطى بخرابه الجوار التركى سوريا والعراق وفاض إلى خارجهما.
وإذن فهل مفاعيل هذا الغضب الموجّه من هؤلاء المستضعفين تجاه تركيا كان من أحد الأسباب التي جعلت الكيان التركي يرزح تحت هشاشة اقتصادية عصفت بوضعه المالي ولا زالت، وهل اخّتيار الطاقة الزلزالية التنفس في بقعة هشة من على الأرض التركية متخطية كل الاحتمالات الأخرى الممكنة الحدوث من على طول الصدع الزلزالي العابر لجزء من القارة الإفريقية والمنتهي عند الأطراف الجنوبية للقارة الآسيوية، أحد مفاعيل هذا الغضب الموجّه وإذا كان من وراء كل هذا الدمار الزلزالي الذي لحق بتركيا التي انبتت واحتضنت ورعت تلك الزمر التي عاثت في الأرض دمار وخراب، فهل من الواجب مد اليد للمناطق التركية لانتشالها من تحت الانقاض؟ أم إن في ذلك إ‘عانة للظلم وأنصاره، وهذا الاستفهام في رسم الفقهاء.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً