انتصرت فبراير على ظلم الدكتاتورية الأمنية في 2011، وبعامل مساعد من الفيتو المتدخل لخدمة مصالحه وليس لإنقاذ الشعب الليبي. وبقوة دفع تيار الانتصار سمح لفبراير الاستمرار لعامين عن مضض على الرغم من وجود جيوب معارضة كيدية على أرض ليبيا.
لعب الصراع الخفي للمجتمع الدولي على أرض ليبيا دوراً مهماً في تحول انتصار فبراير إلى تنافس على كسب عدد أكبر من المجموعات المسلحة والمدنية لخدم أن الخفية. وعوضاً أن يوظف النشاط المدني والعسكري لنصرة فبراير وخدمة أهدافها النبيلة تحولا إلى صراع فيما بين الليبيين وخاصة بعد تهيئة الظروف لتسلل منظومة الجماهيرية الحاقدة على فبراير بسبب ما سلبته مؤقتاً من سلطة وثروة للدولة العميقة المتمكنة من شبكة المعلومات والعلاقات الداخلية والدولية.
تصدع الصف الفبراريري لغياب مشروع واضح المعالم بأدبيات وقيادة معروفة مكن للثورة المضادة من وضع العراقيل والعقابيل على طريق فبراير فتأخرت عن إنجاز طامحات الشعب في بناء دولة العدل والقانون. ولكن محاولة الانقضاض على فبراير عسكرياً في أبريل 2019، مع خيانة داخلية ودولية، توحدت جهود أنصار فبراير، من جميع مدن ليبيا، ليتجمعوا بالعاصمة، كما حصل في 2011، ويدافعون عليها ويصمدون أمام عدوان مليشيات فاغنر وجنجاويد وغيرها وبتدخل إلهي تتغير الحسابات الدولية وتتدخل لدعم مقاتلي فبراير لدحر العدوان خارج الحدود الآمنة للعاصمة والمنطقة الغربية.
واليوم فرصة لأنصار فبراير مراجعة ما حصل والعمل بقوة على تحقيق المصالحة. وبقراءة متأنية لمسيرة فبراير يمكن الوقوف على المحطات المهمة لتحقيق المصالحة والتي يطرحه الكاتب في الآتي:
أولاً: مع غياب تام لأدبيات واضحة وقيادة معروفة، فانتفاضة فبراير كانت شعبية بكل ما تعنيه الكلمة على الرغم من أنه تصدرها المثقفين الأحرار والأكاديميين ومعهم باقي جميع فئات المجتمع التي كتمت على أنفاسها منظومة الدكتاتور الأمنية ولجانه الثورية، مما جعل من نشوة الانتصار ردود سلبية في الاستسلام لقانون العزل السياسي بكل عيوبه والذي بنى سوراً أمام المصالحة الوطنية.
ثانياً: مع بداية حاجة فبراير لمناصرين فُتح الباب على مصرعيه لكل المتسلقين المتمرسين في نظام الجماهيرية بالوصول إلى الكثير من السجون السياسية وعقد صفقات مالية مربحة بعد تهريب قيادات الجماهيرية وعلى رأسها سيف الإسلام مما منحهم الفرصة للعمل ضد المصالحة الوطنية.
ثالثاً: التآمر الدولي على انتفاضات الربيع التحرري بعدة أساليب لعودة الدكتاتورية وبأي ثمن ولو التضحية بمبادئ الحرية، وحقوق الإنسان، والعدل والديمقراطية مما عمق من جرح الخُصومة بين أنصار فبراير وأعدائها لينتكس مشروع العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
رابعاً: تفاقم التآمر العالمي ومكره لإجهاض ثورات التحرر بتمكين القيادات العسكرية، المناصرة لداعش، للانقلاب على التطلعات الشعبية لدولة مدنية، فكان الإعلان عن تجميد الإعلان الدستوري في 2014 وتلاه تحركات وصدامات عسكرية إلى التجهيز الكبير وتوحيد جهود التآمر في 2019 بهجمة عسكرية شرسة على العاصمة طرابلس، وهذا عمق الجرح الوطني بتوظيف القبلية المقيتة الجهوية المتخلفة مما جمد عمليات المصالحة لحين وقف الحرب في 23 أكتوبر 2020م.
خامساً: ظهور دعوات بشأن المصالحة الشكلية، وفي معظمها لجني مكاسب سياسية، وقبول الغث والسمين في مفاصل الدولة بحيث تكتمل أركان المؤامرة وتتعثر مسيرة المصالحة الوطنية.
سادساً: إلى جانب صناعة الحروب كانت هناك برامج كيدية لإلهاء الشعب عن المصالحة الوطنية بخلق أزمات الوقود، والسيولة، والكهرباء، وحتى الخبز لشعب لا يصل تعداده لتعداد إحدى عواصم الدول المجاورة، وبموارد دخل عظيمة تفوق دول تلك العواصم.
سابعاً: سقوط بعض أنصار فبراير في فخاخ سطوة السلطة والمال مما سمح لأعدائها بالطعن في القيم الحقيقة التي جاءت من أجلها فبراير ونتيجة لذلك كان تأخير مشروع المصالحة الوطنية.
كلمة أخيرة:
ما يراه الكاتب بأن مشوار المصالحة الوطنية يسبقه العديد من الخطوات المهمة بدء من مشروع العدالة الانتقالية إلى التوسع في المجالات التي من خلالها يمكن الوصول إلى المصالحة. لذلك فالوصول إلى المصالحة الوطنية يحتاج لنقد ذاتي مستمر ومراجعات من حين لأخر. ومهما كان طمع الإنسان في العيش بخدمات وأمن يظل الطمع الأكبر في الأجر من الله هو الغاية المثلى التي يسعى لها الإنسان المؤمن“فمن عفا وأصلح فأجره على الله”.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً