حتى لا تنهار قيمة الدينار ولا نأكل أرجل الدجاج، فالأولوية هي إنقاذ اقتصادنا، وحماية أموالنا، وصون مصرفنا المركزي.
الأسئلة السبع، والسابع لا ينتظر إجابة:
1- ما علاقة القرارات المالية الصادرة عن وعبر حكومة السيد باشاغا بأزمة مصر الاقتصادية الخانقة، وعطشها المتلهف للدولار التمويلي؟
2- أين أعضاء مجلس النواب، وأين مجلس حكومة باشاغا، وأين باشاغا، وأين ديوان المحاسبة، لأنه في مثلما قرارات خطيرة تستوجب قرارات سياسية جماعية؟
3- كيف تمنح أية مؤسسة دولة ولو كانت الجيش استقلالية حصرية عن مالية الدولة، ويُعطى لها الحق الاستدانة الداخلية والخارجية؟
4- كيف لا يعلم متخذا القرارين (رئيس مجلس النواب ووزير التخطيط والمالية في حكومة باشاغا) حساسية الأوضاع المالية والنقدية لليبيا أمام المخاطر الاقتصادية التي تواجه العالم؟
5- كذلك السيد الدبيبة وحكومته، هل هو وهم واعون ومدركون لسياساتهم المالية التوسعية المفرطة وما في الأفق الاقتصادي العالمي من تحديات معيشية جدية؟
6- ما هو الوضع الاقتصادي لمصر؟ وهل الزيارات الدولية العالية (أمريكا وإيطاليا) المستوى لليبيا ومصر علاقة بذلك، وكذلك تصاعد رفض الحكومة المصرية لحكومة طرابلس؟
7- لماذا صمت جل النخب السياسية والأكاديمية والاقتصادية والمثقفة، والتهائها بالأقل أهمية؟
يقول المثل الليبي “الحرة أول ما تزرب تزرب بيتها”.
حسب رسالة متداولة- إذا صدقت- فوزير التخطيط والمالية بحكومة السيد باشاغا يقرر الحجز الإداري على مبلغ يتجاوز 130 مليار و500 مليون دينار، أو ما يعادلها بالدولار، أكثر من 27 مليار و300 مليون دولار، من إيرادات النفط المودعة لصالح المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي لدى المصرف الليبي الخارجي والمؤسسة العربية المصرفية، ويكلف مندوبًا (شخص واحد) للقيام بإجراءات الحجز، دون أي إشارة لاجتماع مجلس الوزراء أو حكم قضائي، فقط “لدواعي المصلحة العامة” كما كتبها في قراره دون يحدد ماهيتها.
فهل حجز مبلغ 27 مليار دولار يكون بقرار فردي، وهو مبلغ يتجاوز إيرادات صادرات النفط لسنة 2022 والتي كانت فقط 22 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم جدًا يقارب ثلث الاحتياطات الليبية (84 مليار دولار، أو اكثر من نصف احتياطات ليبيا القابلة للتصرف 45 مليار دولار) لأن الباقي هو من رصيد غطاء العملة.
ومن استغراب التوقيت، ففي نفس يوم تسريب القرار السابق، سرب قرار أقدم لرئيس مجلس – يتطلب كذلك التأكيد – “يأذن” للمصرف المركزي بإقراض مبلغ 6 مليار دينار (حوالي 1 مليا و250 مليون دولار) لوزارة التخطيط والمالية بحكومة السيد باشاغا لسداد الديون الداخلية و”الخارجية” المترتبة على القيادة العامة “بقيادة المشير حفتر”، طبعًا، ورد نفس تعبير “مقتضيات المصلحة العامة”، مع التوجيه لوزارة تخطيط ومالية حكومة باشاغا بتخصيص المبلغ للقيادة العامة (المشير حفتر) لسداد الديون الداخلية والخارجية، دون أدنى إشارة عن الديون ولمن تستحق من جهات ليبية أو دول أجنبية، ولا كيف ترتبت الديون وماهية شروطها. فالديون ليست مجرد أرقام مبالغ، بل تعقيداتها أكبر وأطول، في الداخل والخارج.
ومن الجدير تذكره رغم شح وتضارب الأرقام، أن الدين العام الليبي الداخلي بلغ 155 مليار دينار منها ما يزيد عن 84 مليار عبر حكومة السيد الثني الموازية، وفي كل الأحوال فهي مبالغ واجبة السداد، وحتى إن تم إعدام بعضها، سينعكس في ثروة الدولة، وقيمة العملة وعدالة التوزيع والتنمية وحقوق الأجيال.
لا يخفى على أحد ارتباط نسبة من وزراء وقادة وبرلمانيي ليبيا بمصر، وأحيانا لدرجة الإملاءات والارتهان، فهل لهذين القرارين علاقة بذلك؟ وبدون التشبيك الجازم بالارتباط، سيكون من المفيد معرفة الوضع الاقتصادي المصري، وما يعانيه من ضغوط ومتطلبات تدفع الحكومة المصرية للبحث الحثيث للتخفيف من اختناقها الاقتصادي.
ولتقريب حساسية وجدية الموضوع:
فاحتياطي مصر من النقد الأجنبي لم يتجاوز 34 مليار نهاية سنة 2022، منها 28 مليار ودائع لدول خليجية، بنقص 6 مليار دولار عن احتياطي السنة سابقتها، وهذا الاحتياطي يكفي بالكاد 6 أشهر من حاجيات مصر الاستيرادية حسب أرقام منتصف 2022، مع فجوة تمويلية لسنة 22-2023 بعجز 20 مليار دولار، واجبة التوفير عبر الاستدانة أو المنح أو الهبات أو تسييل أو بيع الأصول.
وكبداية لذلك اضطرت مصر للاستدانة من الخارج بشروط صندوق النقد الدولي الصارمة، حيث استدانت منه مؤخرا مبلغ 3 مليار دولار مقسطة، بجانب حزمة تمويلية تتجاوز 14 مليار دولار بأشكال ومصادر متنوعة.
يقدر صندوق النقد الدولي حجم الدين الخارجي المصري بما يزيد عن 172 مليار دولار في أكتوبر 2022 بزيادة 30 مليار دولار عن السنة السابقة لها، في حين تكلفة خدمة الاقتراض الخارجي وأقساطه وفوائده خلال السنوات المالية المصرية الثلاث القادمة بـ154.5 مليار دولار، منها 48.9 مليار دولار مستحقة قبل يونيو من هذا العام.
فحسب الأوضاع الحالية وما لم تزيد ديون مصر، فمصر ستحتاج لسنوات طويلة جدًا للتخلص من طاحونة الديون الخارجية، ويقدر بعض الخبراء أن مصر ستستمر في سداد دينها الخارجي وخدماته وأقساطه حتى سنة 2071- أي 50 سنة- شريطة عدم المزيد من الاستدانة.
وهذا دفع مصر، وتنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي تعويم وتخفيض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، ليتجاوز سعره الرسمي 1 دولار= 29.50 جنيه بعد أن كان 15.7 دولارًا مقابل الجنيه في مثل الوقت قبل سنة؛ أي أن الجنيه فقد نصف قدرته الشرائية.
ونتيجة لذلك ارتفعت معدلات التضخم (غلاء الأسعار) إلى ما يناهز 25٪ بعض المصادر ترفع نسبة التضخم إلى مستويات 110٪. وهذا الغلاء ضرب كل الطبقات (الغنية والمتوسطة والفقيرة) بأن عجزت عن تلبية احتياجاتها وتلاشي مدخراتها، وأثر في القدرة الاستيرادية والتسييرية للحكومة والشعب في مصر.
وزاد من تلك الصعوبات تغير نمط المساعدات الخليجية والدولية لمصر حيث أصبحت مشروطة ومقيدة ومراقبة وتدخلية، ومقابل الاستحواذ على أصول ومؤسسات مصرية (برامج وعقود متواصلة بيع وخصخصة مع شركاء أجانب، دول وخواص، لعدة أصول وأملاك للدولة المصرية في قطاعات حيوية، منها موانئ وبنوك وفنادق ومصانع وشركات اتصالات وخدمات تعليمية وصحية وبنية تحتية وطاقة وتعليم ومياه…)، مما أرهق وضيق حرية حركة الحكومة المصرية لمواجهة احتياجات الشعب المحتقن.
كل هذا في ظل تواصل الانفجار السكاني، حيث بلغ عدد سكان مصر هذا الشهر 104.5 مليون نسمة، بزيادة 506 ألف نسمة خلال 117 يومًا فقط، أي زيادة أكثر من 1.5 مليون نسمة كل سنة، أي أن عدد المواليد في مصر خلال 5 سنوات يتجاوز عدد كل سكان ليبيا، أو أن عدد مواليد مصر في سنة يقارب عدد ثلاث أرباع سكان برقة، أو ثلاث أضعاف سكان فزان أو ثلث سكان طرابلس.
من المؤكد أن دول العالم المسؤولة تتابع وتفكر في معالجة المعضلة، وأحيانا على حساب الأضعف والأقل تكلفةً، كما أن تصعيد مصر ضد حكومة طرابلس واعتبرها غير شرعية ليجعلها الدولة الوحيدة المصرة على هذا الموقف، بجانب تكرار الحكومة المصرية دون غيرها على بند “عدالة توزيع الثروة الليبية” في ماراثون الأزمة الليبية يطرح المزيد من التساؤلات عن الدوافع.
فهل هناك رابط بين قرارات التمويل الليبية الأخيرة وظروف مصر الاقتصادية، وما وراء الأكَمةِ؟ وهل من رد من متخذيّ القرارين بالنفي أو التأكيد أو التوضيح؟
حمى الله ليبيا وحفظ مصر.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً