عندما تصبح الحرب والفوضى والانقسام وتعدد البرلمانات مصدراً للثراء وبيئة حاضنة للفساد ونهب المال العام، فسينتظر الليبيون للأبد ولن يصل المؤتمر والبرلمان “المنتهية ولايتهما” لأي اتفاق، وجولات حوار “الصخيرات” تصبح مجرد رحلات استجمام لحراس الفوضى وشركاء الانقسام. فإن ليبيا ليست بالنسبة للمؤتمر والبرلمان وميليشياتهم إلا غنيمة حرب، وأموالا مجانية تتدفق بلا رقيب. ولن يعلن الطرفان عن أي اتفاق عدا إعلان اتفاقهما على رفض أي اتفاق. وانتظار اعتمادهم لأي حكومة مقترحة هو مجرد عبث، ومزيد من الاستنزاف ومزيد من القهر والظلم الذي يعانيه الشعب الليبي داخل البلاد وخارجها.
فكل جسد تمكن منه ورم التطرف تتعطل حواسه وتعمى بصيرته. وهذ ما حلّ بالمؤتمر ومن بعده شريكه في الخراب والانقسام البرلمان، والذي قبل ساعات من نهاية ولايته قرر أخيراً أن يطلق رصاصة الرحمة في رأسه المثقل بالفشل والعجز، فلا استطاع هذا البرلمان أن يكون سلطة تشريعية ليبية ولا تمكن من استنساخ التجربة المصرية التي ظل مهووساً بها، وتحولت إلى هاجس مرضي لأغلبية أعضائه الموزعين ما بين القاهرة وتونس.
لم يكن بوسع أحد أن يقنع البرلمان الليبي المهووس، من أن ليبيا أبداً لا تشبه مصر وأن الجيوش لا تُخلَق من العدم والأوهام… ونياشين ضابط متقاعد لا تصنع جيشاً ولا مجلساً عسكرياُ. ولن تستطيع أن تحقق نصراً بالهتافات وصياح القطعان البشرية… وأن الجيش الذي دمر مؤسساته ومعسكراته وقتل جنوده وضباطه حلف الناتو، لن تعيده أحلام اليقظة، والهتافات للجنرال المنهك المتورط منذ أكثر من عام في مأزق حرب تحرير مدينة، وبلا جدوى…! ماعدا مزيد من القتل ومزيد من التهجير والتشرد لأهالي المدينة.
العناد والتطرف، داء مقيت سواء كان دينياً أو أيديولوجيا أو قبلياً وعرقياً … ولكن، أسوأها هو هذا الأخير. فالتطرف القبلي، وحده الذي لا يستند إلا على الإحساس بالدونية ولا يتطلب إلا ذوبان الفرد في قطيع القبيلة ليتحول إلى مجرد رقم في ذلك القطيع وأقصى ما يمكن أن يفعله هو أن يردد صياح ذلك القطيع مقابل الإحساس بالقبول والأمان، هو أشد فتكا وتخريبا للبلاد. وتلك هي مصيبة البرلمان الذي ادعّى محاربة التطرف الديني وغرق في مستنقع التطرف القبلي والجهوي، وهو أسوأ وأشد فتكاً وتخريباً للبلاد.
أحياناً، تحاول أن تكون أكثر تفاؤلاً من عالم النفس غوستاف لوبون الذي قال إن: “البرلمان هو آخر مكان يمكن للعبقرية أن تشع فيه»…! ولكن أداء وسلوك برلماننا في الشرق الليبي وبرلماننا الآخر في الغرب الليبي يؤكدان حقيقة ما ذهب إليه لوبون منذ أكثر من مئة عام حول سيكولوجية الحشود التي لا عقل لها. وأن البرلمان في أحسن أحواله سيتحول في النهاية الى مستنقع للتطرف بأنواعه. ولا يمكن لأعضائه أن يروا أبعد من أنوفهم.
ودائماً، هناك أقلية متعصبة ومتطرفة تقود الجماهير المغفلة سواء في الميادين أو تحت قبة البرلمان. ولا يحتاج أولئك القادة إلى كثير من الذكاء لقيادة تلك الحشود، فكل ما يحتاجونه هو عقل ممتلئ حتى حافته بالحلول الجاهزة التي لا بديل عنها، وولاء لا محدود لعصبيته أو قبيلته وقدرة على تأجيج تلك الجموع المُغفّلة.
وفي ليبيا، وراء كل مليشيا وبرلمان متعصب قطيع مدينة تعاني جنون العظمة، وعقدة الدونية في آن، ودائما على ليبيا أن تبقى صاغرة متضرعة إلى الله حتى لا تغضب أي من تلك المدن…! فإذا تكلمت بنغازي أو انتفضت الزنتان أو تحركت جيوش مصراتة…، فعلى كل ليبيا أن تحبس أنفاسها وتلبي مطالب فحول تلك المدن المنتصرة دائماً والمتناحرة للأبد.
حتى أزماتنا ومشاكلنا مَعيبة ومُخجِلة… ألا يمكن أن نختَـلق أزمات تشبه العالم، فهل سمعنا بأن صفاقس شنت هجوماً مسلحاً على القيروان؟ أو أن الإسكندرية غاضبة لأن كل أعضاء الحكومة هم من أبناء القاهرة أو مرسى مطروح؟ وهل اضطرت الموزمبيق أن توزع الحقائب الوزارية بين مدنها بالتساوي؟ أي لعنة حلت بهذه الأرض…؟ وماذا يعني أن تكون كل الحكومة الليبية من مدينة جخرة أو أم الأرانب أو من الكفرة…، طالما كانوا مؤهلين وأكفاء؟ ألا يكفي كونهم ليبيين؟
أما آن لتلك المدن المُسلحة الحاضنة والداعمة للفوضى والخراب أن تمنح ليبيا فرصة للسلام والاستقرار وأن تدرك بأن الوطن أكبر من أن تبتلعه مدينة أو قرية…! وأن هذا الهوس وتضخم الأنا القبلية لن يُفضي إلا إلى مزيد من الدمار والانقسام وانهيار وطن بأسره… فإما أن نتحرر من أسر قطيع القبيلة والمدينة، لنكون ليبيين وكفى، إذا أردنا أن نخرج من هذا المستنقع النتن، وإلا فإن هذه المنطقة الواقعة ما بين مصر وتونس ستصبح فعلاً من الماضي ونسياً منسياً… فالدول أيضاً تنقرض وتتلاشى بحماقة أبنائها.
أخيراً، كان الأجدر بالبرلمان أن يحفظ ماء وجهه ويُنهي مهمته بدل الدخول في سباق التمديدات مع المؤتمر ويكفي البرلمان كونه شريكاً في جريمة الانقسام وإطالة عمر الفوضى وحارساً لها…! فليبحث نواب البرلمان عن سفارات شاغرة أسوةً بأسلافهم من الانتقالي والمؤتمر… وليسدلوا الستار على هذه المهزلة المأساوية التي تعيشها البلاد.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
لقد بدأت مقالتك بداية متوازنة بنقد كل من البرلمان والمؤتمر ولكن سرعان ما اتضحت نيتك وبدأت في التخبط الكل يعرف ان معمر القذافي الغي الجيش منذ سنة 1986 واستبدله بالمناوبة الشعبية حسب مخترعاته العبيطة التي لا تنتهي وأشنأ مكانها كتائب امنية مهمتها حراسة النظام وليس الوطن وتدين بالولاء لراس النظام وانهارت عندما قطع راس النظام فيجب ان تكون كاتبا امينا علي الحقائق ولا تزور التاريخ لتمرير افكارك هذا الذي تقوله ينطلي بعد مئات السنين ولكن ليس الآن ولا زلنا نتذكر عهد معمر القذافي وتصرفاته الجنونية وشطحاته اتي لا زالت تؤثر في البعض فيشطحون مثله أما حديثك عن الجنرال المتقاعد وبنغازي فقد تجاوزت حدودك فلا انت من بنغازي ولاتعرفها كيف كانت قبل الحرب علي مجموعاتها الارهابية التي كانت تريد التحكم فيها لصالح تنظيمات مثل داعش والقاعدة واخواتها وربما كنت سأصدقك لو تحدثت بنفس الأسلوب عن الذين احرقوا المطار والطائرات وشنوا حربا لا معني لها علي الهلال النفطي ربما اقول ان هذا الرجل محايد ولكن واضح انك لا تريد للشرق ان ينهض وتعرف انت وامثالك ان المشكلة الحقيقة في ليبيا هي الظلم الذي فرضه نظام سيدك علي الشرق واهماله وتركيز كل شيء في طرابلس وعندما ثار الشرق للمطالبة بحقوقه تحركتم ضده واكلتم له الاتهامات بشكل غير مباشر ولكن الحقيقة انكم تدافعون عن امتيازات ضمنها لكم العهد السابق وبغباء لأن الظلم لا يدوم فإما ان تتنازلوا وتقبلوا بتقاسم حقيقي للثروة والسلطة وإلا فالأمر سيستمر دعك من خلافات مزعومة هذا هو لب المشكلة وما حقدك علي بنغازي إلا نتيجة للخوف من احقاق الحق ونزع امتيازات تتمسكون بها في طرابلس ولا تستطيعون الدفاع عنها واعود بك الي بنغازي فالحياة فيها حاليا افضل من الحياة في مدينتك الفاضلة طرابلس علي الأقل لا خطف متكرر ولا اغتيالات وانتهي شبحها وما يجري فيها هو تصفية لجيوب متمركزة في مساكن العباد