بعد الملتقى النسائي للمصالحة الوطنية بتاريخ 20 ديسمبر 2022م جاء تأكيد أعضاء مجلس الأمن بتاريخ 21 ديسمبر 2022م على “أهمية إجراء حوار وطني شامل وعملية مصالحة تستند إلى مبادئ العدالة الإنتقالية.. إنشاء آلية بقيادة ليبية لتحديد أولويات الإنفاق” وبعد ظهور مصطلح الآليات البديلة، من عدة دول مثل بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وأمريكا، المرتكز على فشل وصول مجلسي الدولة والبرلمان لتوافق بشأن القاعدة الدستورية وتزامن ذلك مع مصطلح “الفرصة الأخير” لحفتر يرى الكاتب أهمية طرح الإطار الجامع لتأسيس المصالحة. ومع أهمية فكرة التأسيس للمصالحة التي طرحها الكاتب في مقالته الأخيرة ” التأسيس للمصالحة وطريق الإصلاح بالصلح” وما سبقها من مقالات: ” الأزمة منا وفينا فالإصلاح والمصالحة لن يكون إلا منا وبنا”، “الإصلاح بالمصالح والمصالحة وأزمة الفكر المصلحي!” إلا أن كل ذلك يحتاج لإطار جامع وموحد تتفق عليه غالبية الأمة الليبية! ومع صعوبة التوافق على إطار واضح ومحدد، إلا أن الإطار العام الذي سيتفق عليه الشعب الليبي هو ما سيمنحه فرضة بناء المصالحة وتعبيد مشوارها الطويل.
المصالحة وملامح الإطار الجامع:
قد يحتاج نجاح المصالحة تحديد ملامح هذا الإطار الجامع، والذي سيتطلب منا ابراز بعض مواصفاته المطلوبة بحيث يلقى القبول، وهذه المواصفات يمكن أن تتمحور حول الاتي:
- بعيداً عن الدكتاتورية العسكرية وتمسكاً بالديموقراطية المدنية نحتاج لإطار مقبول لشكل الدولة أو نظام الحكم، الذي يكون مقنعاً لأغلبية الشعب الليبي بمشروع المصالحة المطروح.
- الحاجة لمواثيق تفكك التداخل الواقع والممارس في السلطات، المستغلة بشكل بشع، وتنظيم علاقة الحكومة مع مؤسسات الدولة، ومع عامة الشعب خدمةً لمشروع المصالحة.
- تعطيل كافة القوانين والتشريعات الظالمة، المُشرعِنة للانتهاكات، والتي يستمر العمل بها لتاريخ اليوم والتي تعمل كمعرقل للمصالحة.
وتظل المصالحة نتيجة تخدمها وترعاها آليات العدالة الانتقالية المرتكزة على: تقصي الحقائق وجبر الضرر، وما قد يبتدعه مفكري ليبيا من آليات تصب في وديان خطوات العدالة الانتقالية لتنتهي في نهر المصالحة الجامع للأمة الليبية، والذي به تنظف جميع أدران وانتهاكات طغاة الشعب الليبي.
آليات المصالحة واستهلاك التنظير للمصالحة:
تظل المصالحة مصطلحاً جميلاً وجذاباً للجميع، وخاص بعد الحرب الأهلية التي اقتتلا فيها فئتان من الأخوة الليبيين المسلمين والمؤمنين! وبذلك فُتح الباب على مصرعيه للسياسيين، وتجار الكلام، والمخلصين الصادقين من مؤسسات المجتمع المدني الناشئة، وبدون خبرة، لاقتحام التنظير عن المصالحة. كذلك سنحت الظروف وسمجت بتسلق الأعيان المجمدين القدماء، والجدد نسبياً الذين صنعهم التصعيد الشعبي واللجان الشعبية، وكذلك أعضاء المجالس المحلية الذين ركبوا على ظهر انتفاضة فبراير في 2011.
ويظل التنظير عن المصالحة سهل وميسر والأكثر جاذبية في المصطلحات السياسية والاجتماعية، والوسيلة الأسهل لكسب التأييد الشعبي الجمعي، وكذلك السياسي “النخبوي”.
ومع بروز العدالة الانتقالية كمصطلح جديد على الشعب الليبي بعد ،2011 تم التعرف أيضاً على المصالحة كنتيجة لمشوار العدالة الانتقالية، الذي يبدأ بتقصي الحقائق وأرشفتها، وجبر ضرر الضحايا معنوياً ومادياً، وكذلك فحص المؤسسات العدلية وتحريك العدالة التقليدية مع العدالة الانتقالية، وبدون تصادم بينهما، للوصول إلى العدالة الحقيقية. وتظل سردية الرؤى النظرية هلة وأسهل بكثير من واقع التطبيق، ويبقى التحدي الصعب بالنسبة لكل من يريد أن يتصدر ويتبنى مشروع المصالحة الوطنية في ليبيا.
من سيلعب دور المحور الذي تلتف حوله المصالحة؟
إذا اتفقنا بأن المناداة بالمصالحة وانجاحها يتطلب إطار يلتف عليه أغلبية الشعب الليبي، ليكون بمثابة الواقي والمحددات التي تحمي مشروع المصالحة. إلا أن أبعاد وشكل هذا الإطار يتطلب عدة مواصفات قد نلخصها أهمها في النقاط التالية:
- إلا يكون له يد مباشرة في الحروب الأهلية التي حصلت على أرض ليبيا.
- يقف على مسافة واجدة من جميع الأطراف التي اشتركت في الصراع الحربي.
- يتطلب أن يكون لصاحب مشروع المصالحة، مع ما عنده من رؤية ورسالة وأهداف واضحة، أيضاً مشروع خدمي وأمني مفصل يمهد للمصالحة ويدعم آلياتها.
كلمة أخيرة:
ونحن على مشارف عام جديد 2023م/2973 حليٌ بنا جميعاً التجرد من الطرح العاطفي للمصالحة “المؤقتة” أو كما يصطلح عليها “أطفاء الحرائق” والنظر إليها بعقلانية، وبتدبر، لتأسيس إطار جامع للمصالحة يلتف حوله أغلبية الشعب الليبي، لبناء خطوات ثابتة، وواثقة، ومدروسة، وبجرأة على طريق توثيق وأرشفة حقائق انتهاكات الدولة الليبية ضد الشعب الليبي الضحية، وجبر الضرر الذي لحق بالضحايا مادياً ومعنوياً. وندعو الله عز وجل أن يعُم العام الجديد علينا وعلى بلادنا الحبيبة ليبيا بالأمن والأمان والاستقرار.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً