تمر اليوم الذكرى الواحدة والسبعون للاستقلال، الذي كان في 24 ديسمبر 1951م، نعم ولد الاستقلال عسيراً، أو قل بعملية قيصرية جراحها المنظمة الأممية الممثلة في مبعوثها إلى ليبيا أدريان بلت الهولندي الجنسية، وهي الدولة الوحيدة التي كتب دستورها قبل الاستقلال.
يحتفل الملكيون وثلة من أبناء العائلات التي كانت شاهدا أو تولت مناصب في تلك الفترة بذكرى الاستقلال في كل عام، ليس الاحتفال والمناداة بعودة الملكية لاستعادة ما يسمى بالزمن الجميل (وهو ليس كذلك على عامة الشعب) بل لان الاستقلال رسخ الطبقية في المجتمع الليبي ووفر المناخ المناسب للثراء على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب الليبي.
لم تكن ملكية دستورية كما يشاع فالملك وصل للسلطة بعد أن أزاح غريمه بشير السعداوي ورفاقه قبل وصوله للحكم، ولم تكن ديموقراطية فالتطاحن بين والي فزان وطرابلس وبرقة على أشده، ولم تكن رشيدة فالفساد ضارب أطنابه، حتى أن مجلة ليبيا الحديثة في سنة 1967م وضعت على غلافها الخارجي صورة لرئيس وزراء قادم يحمل شوال تحث إبطه وأخر خارج من الوزارة حامل شوال مملوء على ظهره.
ليبيا لم تحررها سيوف المجاهدين التي توقفت في الثلاثينات، وأصبح جل مشائخها موظفين عند الدولة الإيطالية، ولم يحررها جيش السنوسي رغم وعود الإنجليز له، ولم يحررها الساسة، فلقد ذهب وفدي طرابلس وبرقة متفرقين إلى الأمم المتحدة، وكان هناك إمارة لبرقة قبل الاستقلال لم تفكر في الجناحين الآخرين، ولا أعتقد هناك من يكترث بوفدين لدولة واحدة. والاستقلال كما يعرف الجميع هو نتيجة لاختلاف الدول العظمى عن مصير المستعمرة الإيطالية وعدم اتفاقهم على القسمة او الوصاية فكان الاستقلال.
المجموعة الأخرى وهم أنصار الجماهيرية، هؤلاء، لا يحتفلون بذكرى الاستقلال، لأنهم يعتبرون ليبيا أنها كانت مستعمرة بالقواعد الأجنبية وأنها دمية في أيدي الإنجليز والأمريكان، وأن الفساد والرشوة والمحسوبية وصل إلى عالية القوم. وهذا ما جعل النظام الجماهيري يعمل على تشتيت تلك العائلات، بل وتشريدها لأربعة عقود، وسلط عليها الكثير من القوى القبلية المتخلفة لسحقهم، ثم وجدت تلك العائلات سبيلها بعد ثورة 17 فبراير لتعود إلى المشهد.
المجموعة التي لم تحتفل يوما ولم تغضب لاحتفال الآخرين، هي مجموعة الدولة الوطنية الحرة الديموقراطية التي يسودها العدل، دولة المؤسسات، دولة كل الليبيين، دولة التبادل السلمي على السلطة، دولة تكافؤ الفرص. دولة الهوية الليبية الجامعة التي يحميها دستور متطور، الدولة التي حلم بها الكثير من الأحرار، هذه الدولة لها مناضلون منذ الوهلة الأولى لوصول الملكية إلى الحكم، منهم المرحوم فاضل المسعودي عميد الصحافة الليبية، وعبد الحميد البكوش ومحمد المقريف وغيرهم الكثير.
نعم كانت ثورة السابع عشر من فبراير الأمل لمحو هانات الماضي، وعذابات النظم الجائرة والمتخلفة، والاستفادة من التاريخ المؤلم، ولكن الإرث الاجتماعي والقبلي والتدخل الإقليمي أفشل التجربة وجعلها تدخل في دوامة لا نهاية لها، في دولة قليلة السكان جيدة الموارد.
ويبقى الفرح معلقا حتى يحين موعد الاحتفال الحقيقي الذي ربما يأخذ وقت ولكنه أت لا محالة، ولو بعد التغيير الاجتماعي الكبير الذي يشهده المجتمع الليبي حاليا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً