خلال مونديال قطر نشط الدعاة للتعريف بالإسلام، وأفلح البعض منهم في إقناع افراد من هنا وهناك لاعتناق الإسلام، ورغم نكبات المسلمين المستمرة، ما فتئ الجميع يهلل منذ قرن من الزمان لدخول الكثير من رموز الغرب في الإسلام مثل ألكسيس كارليل ومحمد على كلاي وكات ستيفنس وروجيه جارودي وغيرهم. لكن العدد قليل جدا مقارنة بسكان العالم الذي وصل إلى ثمانية مليارات هذا العام، فلماذا لا يدخل المسيحيون للإسلام أفراجا وهم الأقرب ثقافيا وتاريخيا وجغرافيا لهذا النبع الأصيل؟ وبالمثل اليابانيين والصينيين، وحتى نجيب على هذا السؤال الجوهري يمكن متابعة كيف يفكر غير المسلمين وما هي العقبات التي تحول دون اعتناقهم للإسلام.
يمكن حصر رأي العامة في الشرق والغرب إلى الصورة النمطية للإسلام، وهو دين متأخر دين القسوة، دين يهضم حقوق المرأة وحقوق الانسان، وهو دين القلاقل والحروب، ولو كان جيدا لما بقيت شعوب الإسلام في تأخر وفقر وحروب بينها، ولذا ينفر الشخص البسيط في الغرب أو الشرق من فكرة اعتناق الإسلام.
أما المثقفون والمتخصصون وهم مصدر المعلومات للعامة فلهم رأي أخر، فمنهم من يقول أن الإسلام من أعظم الأديان في العالم وهو دين تسامح، ودين أرسى قواعد الحضارة الحديثة وحافظ على الموروث الغربي عندما كان الغرب في العصور المظلمة، وهؤلاء منهم من يرفض الاسلام لأسباب اجتماعية أو بسبب اختلاف الثقافة ومنهم من يتعمق أكثر في تعاليم الإسلام ليصبح المنبع لأفكار كل المجموعات السابقة والذي يمثل العقبة دون انتشار الإسلام في أوروبا أو آسيا.
من مراكز الدراسات المهتمة بالإسلام، المركز الدولي لدراسات الإسلام السياسي (CSPII) والذي له الكثير من البحوث عن الإسلام، نشر بحث طويل بعنوان إحصائيات اسلامية بقلم أستاذ الأديان الدكتور بيل ورنر المؤلف لستة عشرة كتاب عن الإسلام السياسي. في مقاله بموقع المركز أسهب وينر في نقاش مرتكزات الإسلام وإشكاليات الفهم للمجتمع الغربي لهذا الدين، ولماذا لا يكون هو مسلما؟، حيث يقول أن الإسلام له مرتكزات أهمها:
الشريعة: قانون الله، وهي فوق كل القوانين، وأنها ليست للمسلمين فقط بل هي للناس كافة وحتى للكفار، ويحق للشريعة ان تتدخل في كل الدول، فمثلا المهاجرون المسلمون باوروبا يطالبون بالحجاب في العمل، والشريعة تقول يجب على تلك الدول السماح لهم، وان على الكافر ان يقبل المسلم ويساعده، وهذا مخالف لليهودية والنصرانية التي ترى ان القوانين تخص أتباع الدين لوحدهم ولا علاقة لها بغيرهم.
يطالب المسلمون بتطبيق قوانين الشريعة في بلاد المهجر، والكثير من الغربيين متسامح في تطبيق أجزاء منها، من خلال إعطاء الحقوق، ولكن المشكلة ان الشريعة يوجد بها كل حركات وسكنات الشخص، والتي ستعمل على اسلمة المجتمع، ولذا يجب علينا (كغربيين) المحافظة على عدم اسلمة المجتمع من خلال فهم الشريعة، ويضيف، أن المسلم يعتقد أن القران كامل خالي من العيوب وصالح للعالمين، وانه نهائي لكل زمان ومكان. هذا القول يجد الغربي او غير المسلم صعوبة في تقبله. (من الواضح أن الصورة النمطية السابقة للإسلام، وتجربة غير المسلمين مع دياناتهم المسيحية واليهودية وحتى الهندوسية او البودية جعلت تقبل النصوص كما هي مثار شك، وأنها في مرتبة الاسترشاد بها وليس التقيد بتعاليمها).
ثم يتوسع ورنر في فهم الإسلام على ضوء التراث الإسلامي، حيث يقول ان القران ذكر النبي محمد صراحة او بالإشارة في 91 موضع، وان محمد هو المسلم المثالي والنموذج القرآني للإنسان على الارض، وان المسلمين في زمن النبي كانوا أكثر فهما للإسلام من اليوم، ففي ذلك الوقت كان القران ينزل على النبي محمد لحوادث يومية تقع فيشرع لها القران وتصبح أسباب النزول وقصة النزول واضحة للأمي في ذلك الوقت، فلكل اية معنى في المكان والزمان.
يتبنى واينر التقسيم التراثي للإسلام ويبني عليه إحصائيات لا تساعد على نشر الإسلام، حيث يقول: أن الإسلام يعتمد على ثلاثة ركائز وهي القران والسنة (الأحاديث) والسيرة النبوية، بل أنه يصل إلى نتيجة أن الإسلام له ثلاثة كتب تعبر عن الركائز السابقة، ومن تحليل المحتوى إحصائيا يجد أن القران يمثل 14% فقط أما السنة وهي الأحاديث 60% والسيرة 26% وبذلك تمثل السنة القولية والسيرة النبوية 87% من مصادر الإسلام.
أما القران فينقسم إلى سور مكية (عددها 82 ) والتي تمثل 64% نزلت في ثلاثة عشر سنة الأولى من الرسالة بمكة وهي أيات إيمانية تعبدية لاهوتية وقصص الأنبياء، وهي أيات لها سجع وقوة الكلمة، أما السور المدنية (عددها 20) فهي تختص معظمها بالشريعة والقضاء وتنظيم الدولة والحياة الاجتماعية، والتاريخ، وسرد الآيات مختلف من ناحية الصيغ المستعملة، وتمثل 36% من مجموع القران، وهناك أثنى عشر سورة مختلف على زمن نزولها.
تناول الباحث عدة قضايا تخص المجتمع على ضوء مصادر الإسلام، مثل حقوق المرأة والتحريض علي العنف وآيات الجهاد في القران والأحاديث والسيرة، ورسم لها مخططات بيانية تعبر عن ورودها في النصوص، وفي تلك النصوص جميعا تجد أن الأحاديث والسيرة تتفوق في نسبة الردع، ويعود ذلك لأسباب كثيرة منها أن الدولة حديثة العهد. فمثلا قضية الجهاد في النصوص الإسلامية لا توجد في القران المكي (ربما بسبب عدم قيام الدولة الإسلامية بعد والتي يمكن لها تنفيذ مبدا الجهاد) في حين أن القران المدني يوجد به نصوص تحرض على الجهاد بنسبة 24% والأحاديث بنسبة 21% والسيرة النبوية بنسبة 67%، وهي نسبة عالية يمكن قبولها كتفسير للقران وليس كدعوة منفصلة.
الأمر الاخر الذي تعرض له وينر، نعث المسلم لغير بالكافر، حيث أن كلمة كافر تم ترجمتها بغير المؤمن (unbeliever) وهي ترجمة غير دقيقة، فكلمة كافر في العربية من الكفر أي غطاء، وتعني من يعرف الحقيقة ولكنه يقوم بإخفائها، والكافر في الإسلام يواجه أسواء أنواع الكره والتعذيب والقتل، خلافا لأصحاب الأديان الذين يوجد لهم آيات تحض على التسامح معهم. وهذا الموضوع جر الكاتب إلى قضية الناسخ والمنسوخ (وهي قضية مختلف عليها بين المذاهب الإسلامية) حيث يقول أن الآيات البعدية تنسخ الآيات القبلية المتعارضة معها، ولكن لا يعني إلغائها بقدر خصوصية استعمالها وهى فكرة يعجز الباحث الغربي عن استيعابها.
من الواضح أن التقسيم السابق لمصادر الإسلام ومساواتها ببعضها، أي القران والحديث والسيرة عمل على تقزيم شان القرأن كمصدر أساسي للإسلام وتغليب السنة والسيرة (من ناحية كم النصوص) وهما مصادر توضيحية للمصدر الأساس القران، وبذلك خلق تصور مشوش، عبر عنه الكاتب: بأن الغرب يمكن له فهم الاحاديث والسيرة النبوية بسهولة ولكن القران من أشهر الكتب التي تم التقصير في قراته وفهمه، ويضيف أن قيام سيدنا عثمان بتجميع وترتيب سور القران على مبدا طول السور وليس تبعا لزمن النزول، مع منع تدوين السيرة في القرن الأول الهجري، جعل فهم السور وأسباب نزولها وتفسيرها غاية في الصعوبة، فاذا تم إعادة تفسير القران تبعا لتسلسل زمن نزوله وكتبت السيرة بتفاصيلها منذ البداية يكون لدينا فهم موحد وعميق للإسلام، وشبه ذلك بوجود المفتاح المناسب في القفل.
لا شك أن التفسير التاريخي للقران على هدى الأحاديث النبوية والسيرة العطرة، أفضل بكثير من المنهجية السائدة، بتجميع الأحاديث وتقصى صحتها ومحاولة إيجاد داعم من القران لها، وهو ما جعل ظهور الكثير من المذاهب الإسلامية لكل مصادرة في رواية الأحاديث، وتفسيرها وليس الاهتمام بتفسير القران ذاته.
رغم أن علماء المسلمين بذلوا الكثير من الجهد في توضيح الدين الإسلامي إلا أن هناك قضايا كثيرة تحتاج إلى الكثير من العمل من أجل جلاء صورة الدين الإسلامي الحنيف وتسهيل استيعابه وإبعاد التفسير التراثي الذي أدخل نقل السيرة بكل تشعباتها وتناقضاتها الى صلب العقيدة والشريعة الإسلامية رغم أن الكثير منها محكوم بالزمان والمكان الذي وقعت فيه، ويمكن الاسترشاد بالسيرة والحديث لتفسير نصوص القران وليس العكس، كما أن محاولة فهم التفكير الغربي للقضايا الإسلامية على درجة من الأهمية للتقارب والتعاون إن لم يكن لإيصال صوت الدعوة إلى الباحثين عنها بطريقة عقلية مقنعة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً