بعض الصحف في طبعاتها الإلكترونية والورقية قد تناولت حدث لوكربي، وكأن ملف تفجير طائرة الركاب الأمريكية التي تناثرت دماء وأشلاء وشظاي وكل ما له صلة بحطامها فوق قرية لوكربي الأسكتلندية سيعاد وسيسحب من الدرج إلى فوق طاولة التحقيق، لفتحه وللتنقيب من جديد في أحداث الحادثة اللغز، التي ذهب ضحيتها قرابة ثلاثمئة آدمي.
حينها وفي وقتها لاحق القائمون على التحقيق في القضية ثلاث من فرضيات الاتهام، وانتهوا إلى اعتماد الفرضية التي تقول بأن الجهة الرسمية بليبيا كانت من وراء حادثة التفجير، واعترفت هذه بالفعّلة وسلمت أحد الليبيين ليُسجن في أسكتلندا، ودفعت إضافة لذلك ثلاثة مليارات من الدولارات تعويض لأسر ضحايا بالحادثة.
الغريب في كل هذا، أن بعض من الشخصيات الاعتبارية التي عاصرت الحدث أظهرت انزعاجها من محاولة فتح الملف من جديد، وشرعت تُطالب من الوطنيين الليبيين الوقوف صف واحد فى طريق إعادة طرح الملف للمعالجة الأمنية من جديد، لاعتقادها بأن فتح الملف سيعود بالويل والثبور على ليبيا والليبيين، وهذا تخوّف أجده ليس في مكانه ما دامت ليبيا الرسمية قد اعترفت وقبِلت ودفعت بأحد أبنائها إلى داخل زنزانة باعثي سجون أسكتلندا، واردفت ذلك بثلاث من مليارات دولارا، دٌفعت من الخزانة العامة الليبية كتعويض لأسر ضحايا لوكربي، كل ذلك ليُقفل الملف بعد هذا التغريم الثقيل.
أقول التغريم الثقيل ليس تسّفيه لقيمة الأرواح التي ذهبت ضحية جراء ذاك الحادثة المريعة، بل لأن التحقيق في تقديري لم يتمكن بعد من سد بعض الفجوات التي تكتنف القضية، وترفع في وجه هيئة التحقيق بعض الاستفهامات، يعتبر البعض ولازالت مُحيّرة، وهي قد تطرح فرضيات جديد ومهمة لتفكيك قضية لوكربي على نحو منطقي وعادل، منها على سبيل المثال لا الحصر، لماذا لم يقم من كان وراء تنفيذ هذا الحادث المريع من تفجير الطائرة في أجواء المحيط الأطلسي، لتتحول إلى حطام ينتهي ويتبعثر وقد يتلاشى فى أعماق مياهه، ويصعّب مُنفذ العملية على هيئة التحقيق بذلك الفعل، ملاحقة حيثيات القرائن والمؤشرات والدلائل التي قد تُحدد هوية الجاني، وهذا ليس بالصعب ولا يحتاج من المنفذ إلا إلى ضبط مؤقت التفجير بالقنبلة، على الزمن التي تكون فيه طائرة البوينج وهي تُحلق فوق مياه الأطلسي.
وهذا في الإمكان خاصتا إذا عرفنا بأن شركات الطيران العالمية ومنها شركة (بآن أمريكان) صاحبة الطائرة المنكوبة من التوابة الأساسية لديها في حركة ونشاط طيرانها، الالتزام بدقة المواعيد إقلاعا وهبوطا، ضف إلى ذلك، بأن الالتزام بدقة المواعيد في حركة الطيران ينسحب أيضا على العمل داخل المطارات العالمية، ومنها مطار هيثرو ببريطانيا، الذي أقلعت منه الطائرة المنكوبة متجهة نحو أمريكا، وبالتالي يكون ليس من الصعب تحديد زمن ومكان انفجار القنبلة داخل مستودع الأمتعة بالطائرة، ولا يحتاج سوى ضبط مؤشر المؤقت بالقنبلة على الزمن بالساعة والدقيقة والثانية لاشتغاله وينتهي الأمر.
ولكن هل إمكانية التدخل في مسار التحقيق من جهات غير مرغوبة في ما لو تم تفجير الطائرة المنكوبة في أعالي البحار ذهب بمنفذ عملية لوكربي نحو اختيار وتحديد مكان انتشار حطام الطائرة في الجغرافية والمكان، الذي تكون له فيه اليد العليا، ويكون حكر عليه لا يسمح بالدخول إليها إلا لمن يُريد ويمنع من يشاء.
فالمياه الدولية لا يتوفر له فيها إمكانية شرط الحضر والمنع والقيد، بل ستكون وعلى الدوام مفتوحة ومسموح عبورها ومُستباح النشاط فيها لكل الدول، وهذا قد يفتح باب تدخلات كثير لدول كثيرة في مسارات التحقيق، وذلك كان في ما يبدو ليس بمرغوب من طرف منفذ عملية لوكربي، فذهب في اتجاه المكان الذي يُوفر الاشتراطات التى يُريدها، إلى قرية لوكربي.
وهذه فرضية منطقية لا يجب القفز من عليها، فهي تُشير وتُوجه بأصبع اتهامها نحو من له الولاية والسيطرة والنفوذ على الجغرافية والأرض – قرية لوكربي – التي تبعثرت عليها أشلاء وحطام طائرة (بآن أمريكا)، فهو الشريك بل والمخطط المنفذ الرئيسي للوكربي، وبقول آخر فهو متهم عند الكثير من الليبيين ما لم يتم تفنيد هذه الفرضيّة.
ولكن هذا يدفعنا للتساؤل وعلى وجه آخر، فنقول: هل الادعاء بالحرص على مصلحة ليبيا من طرف ممن يدعون للوقوف في وجه محاولة فتح ملف القضية من جديد، هو في وجه من وجهه وقوف في خندق لوكربي القرية لا لوكربي التفجير، في مواجهة الكشف عن الحقيقة، ومن اليد التي كانت من وراء التفجير؟، وبعد كل هذا لا أجد بأس في وضع ملف لوكربي على الطاولة من جديد.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً