قد لا يعلم كثير من الناس أنّ بعض أنواع السرطان تتطور بفعل الجراثيم والطفيليّات التي تنتقل بالعدوى وتسبّب أمراضاً معروفة وسهلة العلاج غالباً، إلا أنّ إهمالها وعدم اتخاذ تدابير الوقاية بالشكل الأمثل يجعل خطر تطوّر العدوى إلى سرطان مميت يلوح بالأفق، هذه الآليّة في تطوّر الأورام الخبيثة ليست نادرة على ما يبدو، بل إنّها مسؤولة عن واحدة من كلّ ستّ حالات إصابة بالسرطان حول العالم، حسب دراسة حديثة.
إنّ العديد من السرطانات التي تسبّبها العدوى يمكن الوقاية منها، خصوصاً تلك التي ترتبط بالتهابات الكبد (بي وسي) والقرحات المعديّة، أو تلك التي تسبّبها جراثيم أخرى كفايروس “اتش بي في” الذي يصيب أكثر من نصف البشر ويؤدي إلى إلتهابات في الأعضاء التناسليّة-، والمحزن في الأمر أنّ التقصير في اتخاذ أساليب الوقاية يجعل هذه الأنواع من الأمراض المعدية مسؤولة عن حوالي مليوني إصابة بالسرطان حول العالم أغلبها في المعدة والكبد وعنق الرحم كما يشير مؤلّف الدراسة.
في هذه الدراسة التي نشرت في النسخة الألكترونيّة من مجلّة “ذي لانسيت اونكولوجي” قام الباحثون بإجراء تحليل يقدّر نسبة الإصابة بالسرطانات التي يمكن أن تكون قد تطوّرت بفعل العدوى، ووجدوا أنّ 16% من الأورام الخبيثة حول العالم تسبّبها أمراض معدية كان من الممكن الوقاية منها أو منع تطوّرها، شكّلت -من ضمنها- سرطانات الكبد والمعدة 80% من الإصابات بين الرجال، بينما تسبّب سرطان عنق الرحم بأكثر من نصف الحالات بين النساء.
أمّا بالنسبة للوفيّات، فقد تسبّبت هذه السرطانات بأكثر من مليون ونصف حالة وفاة في العام 2008، وذلك من أصل حوالي سبعة ملايين ونصف حالة وفاة بفعل السرطان حدثت في العام المذكور حول العالم.
يقول مؤلّف الدراسة “إنّ الأمراض المعدية التي تسبّبها الفايروسات والبكتيريا والطفيلات هي من أكثر أسباب السرطان التي يمكن الوقاية منها، إنّ تطبيق أساليب الصحّة العامّة في الوقاية من العدوى، كاللقاحات والأدوية المضادة للجراثيم يمكن أن يؤدّي إلى تغييرات جوهريّة تقلل من نسبة السرطان حول العالم”.
وبحسب الدراسة، فقد تفاوتت نسبة الإصابة بهذه الأنواع من السرطانات بشكل كبير بين منطقة وأخرى، حيث تركّزت أكثر من 80% من الحالات في البلدان النامية والأقلّ تطوّراً، بينما انخفضت النسبة بشكل كبير في الدول المتقدّمة والتي قلّما تشكّل فيها الأمراض المعدية مشكلة صحيّة حقيقيّة، فعلى سبيل المثال تسببت الأمراض المعدية التي يمكن الوقاية منها بـ3% من مجمل حالات الإصابة بالسرطان في أستراليا، بينما تضاعفت هذه النسبة لأكثر من عشر مرّات في بعض الدول الأفريقيّة.
يقول “جودارز دانيي” من جامعة “هارفرد” (والذي لم يشارك في الدراسة) في تعليق خاص حول سبل تخفيض نسب الإصابات بالسرطان “تتوفّر لقاحات غير مكلفة ضد الفايروسات التي تسبب السرطان، لذا يجب أن تكون التغطية الواسعة بالتلقيح هي الأولويّة الأساسية للنظام الصحي في البلدان الذي ينتشر فيها هذا النوع من السرطان”.
يذكر أخيراً، أنّ هناك اهتماماً علمياً متزايداً في سبل الوقاية من السرطانات، يتمّ فيه التركيز على دور الجراثيم (كما التدخين)، خصوصاً وأنّ العلم تمكّن -نظرياً على الأقل- من الانتصار على شبح هذه الجراثيم تاريخياً، ومن حقّة ربّما أن يستغل انتصاراته في هذا المضمار لتوجيه ضربة إلى شبح اليوم، أي السرطان.
اترك تعليقاً