بعد صد هجوم مجرم الحرب خليفة حفتر، ومرتزقه الفاغنر، وجنجاويد، وغيرهم من المغرر بهم، عن طرابلس في 4 أبريل 2019م، وبعد إفشال اتفاق تقريبا جميع دول مجلس الأمن سواءٌ بقبول الهجوم على العاصمة طرابلس أو بحربهم ضد الدولة المدنية فقد تصدى أحرار فبراير لمخططات رجوع الدكتاتورية لليبيا. وبعد تراجع الموقف الأمريكي بشأن التمدد الصيني، والخوف من تغول روسيا في ليبيا وترتيباتها الأمنية مع فرنسا، ودفعها بالحليف التركي للتدخل العسكري وإبعاد الشبح الروسي من المنطقة الغربية إلى سرت، بالتأكيد استغلت تركيا تدخلها بتحريك موضوع قديم يخدمها وذلك بعقد اتفاقية عسكرية أولاً وتحقيق حلمها في ترسيم حدودها البحرية في 27 نوفمبر 2019 وتسجيلها في الأمم المتحدة حسب القانون الدولي. وتأسيساً على ذلك تم تأكيد التعاون والشراكة وتبادل المصالح بتوقيع مذكرة تفاهم بتاريخ 3 أكتوبر 2022 ولمدة 3 سنوات، بشأن المحروقات، المنشورة، والمتعلقة بالتنقيب والإنتاج وتجارة النفط والغاز.
الحرب الأوكرانية وتوحيد مواقف أوروبا مع أمريكا:
بالتأكيد المستفيد الأول من الحرب الأوكرانية الروسية هي أمريكا وتظل ظروف الحرب عاملاً مساعداً على توحيد الموقف الأوروبي بالسلب والإيجاب. فالمهم أن روسيا تدافع عن نفسها بالعمل على تركيع أوروبا بقفل مصادر البترول والغاز عليها، لتتعطل مصانعها وتعيش شتاء قارس هذه السنة مما قد يخلق تمرد شعبي على سياسات الحكومات الأوروبية ومعاداتها لروسيا ووقوفها مع الحرب ضدها. روسيا تهتز عندها التوافقات الأوروبية والاتفاقيات الثنائية سواءٌ عسكرية مع فرنسا أو اقتصادية مع ألمانيا وفي بث تلفزيوني ضمن لقاء مع المعلمين صرح الأربعاء الماضي السيد فلاديمير بوتن بأن روسيا: “تكن احتراماً كبيراً “للشعب الأوكراني” رغم ما أسماه “بالوضع الحالي”. وهذا قد يعني بمحاولة تخفيف حدة التوتر مع أوكرانيا وأوروبا بعد الخسائر التي مني بها الجيش الروسي وتقهقره وخسارة مساحات من الأراضي التي سيطر عليها. مع الخسارة العسكرية للجيش الروسي على الأرض، وتضعضع الإمدادات كما حصل من تدمير للجسر الرابط بين روسيا والقرم، ووضوح أن التهديدات باستخدام السلاح النووي غير حقيقة وليست جادة، فستبقى القوة الروسية العسكرية قادرة على الرد وتظل الورقة الأقوى في يد بوتن تضييق الخناق على أوروبا هذا الشتاء بقطع امدادات الغاز والنفط. وما حصل من صيانة على الخط نورد ستريم (Nord Stream) (1) و تعرض الخط نورد ستريم (2) لأربعة تفجيرات ببحر البلطيق تخدم في اتجاه محاصرة ألمانيا وأوروبا وحرمانهما من الطاقة. بغض النظر من المُنفذ فالمستفيد من ذلك روسيا وأمريكا والخاسر الأكبر هي أوروبا.
أمريكا وتلككها في الشراكة مع روسيا والصين:
هناك وجهات نظر، على فيديو لسيناتور أمريكي سابق، تقول بأنه حتى نهاية عام 2021 حاول السيد بوتن الوصول إلى تفاهمات سلام مع النيتو ولكن كان هناك رفض من أمريكا، كما وأن زحف الجيش الأوكراني على دونباس أجج نار الحرب مما دفع بروسيا للاندفاع نحو أتون الحرب. ما يحصل من حرب في أوكرانيا يمتد إلى خارج حدودها فالتحرك الكوري الشمالي مع بداية شهر أكتوبر باختبارات لصاروخين بالستيين عابران للقارات مرا فوق اليابان نوع من التهديد لكوريا الجنوبية وحليفتها أمريكا، والتي ضمتها نتيجة لحرب الاتحاد السوفيتي لليابان التي احتلت خلالها كوريا بعد أن هزمت الصين في عام 5-1894 وسيطرت عليها لعقد من الزمن.. لا يمكن فصل ما يحدث اليوم من تنازع على سيطرة العالم، ومحاولة أمريكا الاستفراد بدون مشاركة، لموارد العالم الخام المشغلة للمصانع، وموارد الطاقة المحركة للثورة الصناعية اليوم. لذلك ستكون ليبيا ساحة صراع بين أمريكا وروسيا، ومراقبة من الصين. وستلعب تركيا دور الفاعل والمتحرك بما يخدم مصالحها ولا يتعارض مع أمريكا التي سيغضبها انزعاج إسرائيل دون أن تعير الانتباه لمصر واليونان وكذلك قبرص.
أوروبا وجدلية تسعيرة الغاز والنفط:
وفي خضم هذا الصراع الحربي والتهديد واستعراض القوة تتصاعد أسعار الغاز، وخفض أمدادات روسيا لأوروبا التي تصل 40%، وتحاول بعض الدول الأوروبية: كألمانيا والدنمارك وبولندا وضع سقف فقد يعيق شراء ما تحتاجه من غاز. والخوف من أن يكون تحديد سقف سعر الغاز يحرمهم منه! الواضح أن الحرب التي وحدت أوروبا ضد روسيا حاجتهم للطاقة والغاز الروسي سيضرب وحدتهم ويفككها. مشكلة الطاقة ستخلق تصدع في الصف الأوروبي، بل قد يتطاول الخلاف مع أمريكا. فيخرج السيد ماكرون ويصرح بحالة البؤس التي يعيشها الشعب الفرنسي ويتساءل، مع رفض داخلي، لبيع أمريكا الغاز لفرنسا بأربعة أضعاف سعر السوق! العجرفة الأمريكية في التفرد بالنفعية وغياب مصطلح الشراكة سيوقعها عاجلاً أم أجلاً في مطب الانحدار إلى الهاوية.
تركيا على خط الطاقة والاتفاقية مع ليبيا:
تتحد أوروبا في حربها ضد روسيا بالرغبة لبعض الدول، أو بالتأييد القسري، والمجاملة أحياناً لكثيراً من الدول، وتضل الأزمة مستمرة مع الحرب، والتخبط الذي تعيشه أوروبا نتيجة شح الطاقة لتفتح الباب أخيراً أمام تدخل تركيا على الخط لتوقع مذكرة تعاون بشأن الكروبوهيدرات مع ليبيا وتخيب أمل روسيا في تضييق الخناق على أوروبا من خلال تحريك عملائها في الوقت الضائع: عقيلة، حفتر، باشاغا، وفي الوقت نفسه تستمر محاولات لف حبل الخناق حول رقبة روسيا بعد أن تم تدمير ركن من جسر الإمدادات الرابط بينها وبين جزيرة القرم. يقول المثل الليبي: “ضربتين في الرأس توجع” فتفجير الطراد الحربي موسكوفا بتاريخ 14أبريل 2022، واليوم بتاريخ 9 أكتوبر 2022، ومع عيد ميلاد السيد بوتن، يتم تفجير الجسر المحصن حسب تصريحات الجنرال العسكري فيكتور بارانيش بأن له 17 خط دفاع، تحاول أوروبا بأن تلملم شتاتها بالاتفاق على أن الاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا المسجلة بالأمم المتحدة تنتهك سيادة دول أخرى بعد أن رفضته اليونان وقبرص، وانتقدته مصر وإسرائيل وفرنسا التي في أقصى الغرب لتنضم معهم بالرغم من أنه في صالح مصر. الكاتب غير متأكد من أن الأزمات المتكررة قد تدفع روسيا لنقل مشاكلها خارج حدودها، كما صنعت بشأن تفجير الجسر وإلصاق التهمة لصاحب شاحنة مع أن الأدلة تقترح أن التفجير تم بزرع متفجرات أسفل الجسر! وبعد التحجج بعدم روية نص الاتفاقية ترفض وزارة الخارجية الأمريكية الاتفاقية دون رفض لحكومة الوحدة الوطنية، كما تعلل السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري، وبدون حساب لحق الجوار التاريخي، ونظيره اليوناني السيد نيكوس دندياس بفقدان حكومة الوحدة شرعيتها. يرى الكاتب بأن الوقت مناسب لتركيا بشأن تعزيز تعاونها مع ليبيا وذلك للأسباب التالية:
- يتم تضييق الخناق على بوتن ولن يجد الوقت الكافي للمناورة خارج حدوده والنكبات الحربية تتوالى علية بالداخل. وستظل روسيا قادرة على توجيه ضربات موجعة لأوكرانيا، وهذا لن يحرك أي تعاطف أمريكي، وستجبر روسيا على التركيز في حربها بأوكرانيا، واليوم 10/10/2022 رأينا كيف طال القصف الروسي، ووصل للبنية التحتية: كهرباء وماء بعد تجنبها في بداية الحرب، المدن الأوكرانية: دنيبر، وترنوبل، ولفيف، وزابوريجيا، وخاركيف.
- تحريك كوريا الشمالية لاختبارات الصواريخ البالستية العابرة للحدود سيشد انتباه أمريكا وستتغافل قليلاً عن تركيا، عضو النيتو، ومشاريعها في التنقيب بشرق البحر المتوسط.
- ليبيا تلتقي مصالحها البحرية مع دولة تملك القوة العسكرية القادرة على حماية مصالحها وحدودها البحرية المرسمة حديثاً مع ليبيا.
- سكوت الصين عما يحدث في أوكرانيا وغياب أي موقف واضح لدعم روسيا والتي لها تواصل مع تركيا ستعزز من موقف تركيا وربما ستؤيد روسيا، مع الشعور بالخسائر والعزلة، مشاريع تركيا في شرق البحر المتوسط.
كلمة أخيرة:
على ليبيا أن تستفيد من الجزر في العلاقات الدولية وخاصة بين أمريكا ورسيا والصين، والتأكيد على الحيادية في سياساتها الخارجية، وخاصة مع دول الجوار، لضمان تحقيق مصالحها، والشراكة مع الدول العظمى التي ترفض الشراكة مع بعضها، والواضح بأن مصالحها متضاربة اليوم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً