أحكمت مجموعات الفاغنر سيطرتها على المعسكرات والقواعد المهمة في الجنوب، وأقامت التحصينات اللازمة بالخنادق والألغام، ونصبت الردارات والصواريخ الدفاعية، وشرعت في تدريب بعض الفصائل الأفريقية، من مجموعات المعارضة التشادية ومجموعات دارفور، وبدأ نشاطها في الاستقطاب والتجنيد من دول الساحل، وهذا يثير الشكوك في نواياهم، ومخططاتهم المستقبلية للجنوب وللدول الإفريقية المجاورة، فنشاطاهم منذ شهور بات منفصلا عن مشروع حفتر، فلم يعد هناك تنسيق بينهما، ولم يعد حفتر قادر على استخدامهم لأسباب عدة، أهمها نضوب موارده المالية، وهذه حقيقة يؤكدها اتساع نطاق تهريب الوقود من الجنوب إلى الدول المجاورة، وما انفجار مستودع الوقود في جنوب سبها إلا دليل على العشوائية، التي تحكم هذا النشاط، وضعف إجراءات التأمين والسلامة، وهي الحادثة الثانية بعد حادثة بن بية، التي تكشف عن انعدام أي قيمة لأهل الجنوب، الذين صاروا كالأيتام على مؤائد اللئام، يستجدون حقوقهم من التكتلات القوية المتصارعة، حكومة الدبيبة، حكومة باشاغا، وبعض نواب وأعضاء الجنوب في مجلسي النواب والدولة.
إطلاق يد العصابات المليشاوية التابعة لكتيبة طارق بن زياد، لإقامة البوابات والاستيقافات، وفرض الأتاوات والعمولات، على سيارات نقل الوقود ومشتقاته والغاز، والسطو على الكمية الأكبر منها، وكذلك إجبار السائقين على دفع مبالغ مالية، لكي يسمح لهم بالعبور والوصول بحمولتهم إلى مدن وقرى الجنوب.
إن صمت أهل الجنوب وعدم الاحتجاج سيزيد من حجم المأساة التي نعيشها، وسنضطر جميعا إلى الهجرة، وبوتيرة بطيئة هادئة سيبحث الجميع عن النجاة، لنفقد جزءا عزيزا من الوطن، فالمعادلات الدولية حينئذ ستعالج إشكالياته وفقا لوضعه الحالي، ولن تلتفت للماضي، ولن يكون للخرائط القديمة، أو الديموغرافيا السكانية أدنى قيمة، فهذه العصابات التي ترفع لافتة الجيش، مع المتواطئين معها من أهل الجنوب مقابل الفتات، سوف تقضي على ما تبقى من مظاهر الحياة، ولن يكون بعيدا اليوم الذي نجد فيه الجنوب وقد تغير بشكل جذري، بعد أن هجره سكانه وبات مرتعا للغرباء سواء الذين تجلبهم فاغنر، أو مليشيات المعارضة الإفريقية، أو الطامحين للهجرة إلى جانب عصابات التهريب والجريمة المنظمة، فهل سنتحرك وننقذ جنوبنا قبل حلول الكارثة؟.
لا حلول ستأتي من حكومات الشمال، فهؤلاء شغلتهم السلطة عن معاناتنا، وحتى إذا اضطروا أو تعطفوا للنظر لنا فسوف تمنعهم العصابات الإجرامية من الحلول بيننا، ليطلعوا عن كثب على الخطر الذي يتربص بالجنوب، ولن تسمح لهم نفس العصابات بتوصيل مساعداتهم لنا، لأننا بلا قيمة بالنسبة لهم، نحن فقط منطقة نفوذ يستخدمونها كورقة في صراعاتهم، ومساعيهم للقبض على تلابيب السلطة وجني الأموال، لكي يقال إن القيادة العامة تبسط سلطتها على أغلب الأراضي الليبية، بينما الحقيقة سيطرتهم لا تتجاوز حقول النفط، باعتبارها مناطق حيوية يمكن توظيفها للابتزاز، وكذلك بعض المدن والقرى لجمع الأتاوات ومراقبة منافذ التهريب، أما باقي المساحات الشاسعة فهي ملعب ضخم لمجموعات فاغنر والمليشيات الإفريقية وعصابات التهريب.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً