تحت عنوان (وداعاً للقضاء الفاسد هل يعتمد لبنان “التحكيم الخاص”؟) نشرت الكاتبة اللبنانية ريتا شليطا مقالاً على الموقع الرسمي للقوات اللبنانية، تحدثت من خلاله عن إمكانية تحول لبنان إلى التحكيم الخاص.
وذكر المقال أن العدل أساس الملك، أما في لبنان، تُشرّع السلطة الفساد باسم العدل من خلال القضاء، فتفقد الدولة هيبتها ليصبح الحكم الصالح فيها تطبيق شريعة الغاب، ناهيك عن قضايا ومحاكمات عالقة في زواريب المحسوبيات وغبار المكاتب والأدراج لعشرات السنوات.
ويُضيف المقال أنه في بلد يعيش على فوهة بركان من النعرات الطائفية ويتأرجح من أزمة اقتصادية إلى أخرى اجتماعية ودواليك، ويسير على قشور بيض مع ترهّل مؤسساته الرسمية والإدارية والقضائية، يجد المواطن اللبناني في المحاكمات المدنية الجديدة مثل التحكيم اللبناني (Arbitration) نافذة خلاص لحلّ النزاعات خلال مهلة قانونية لا تتعدى الـ6 أشهر، إذ يعتبر نظام التحكيم من أحد الوسائل البديلة السهلة لحل النزاعات، وغير مرتبط بقضاء الدولة.
وفي هذا الصدد، يُوضح المحكم الدولي المعتمد رئيس انترناشونال كاونسيل للوساطة والتحكيم نبيل الجوهري، أن “التحكيم في لبنان يتم بموجب قانون أصول المحاكمات المدنية، الذي كرّس باباً منفصلاً للتحكيم، إذ يعتبر قضاء خاصاً موازياً لقضاء الدولة، يمكن للجميع اللجوء إليه بالاتفاق المسبق، أي لا يمكن اللجوء الى التحكيم إلا برضى كافة الأطراف”.
وإذ يشير الجوهري الى أن “التحكيم رائج في معظم دول العالم، لا يزال اللجوء إليه في لبنان خجولاً لأن الخيار الأول غالباً ما يكون القضاء العادي”، يُشدد على “ضرورة نشر ثقافة التحكيم في البلد”.
وعن أوجه الاختلاف بين قضاء الدولة والقضاء الخاص أو التحكيم، يلفت الجوهري إلى أن “التحكيم يتميّز بالسرعة في بت النزاعات المدنية والتجارية، بالإضافة الى السرية والخصوصية في إجراءات وقرارات التحكيم خلافاً للعلنية في القضاء العادي، ناهيك عن مشاركة أطراف النزاع في اختيار القاضي الخاص والقانون الواجب تطبيقه وإجراءات التحكيم”، لافتاً إلى أن “السرعة التي يمتاز بها التحكيم لا علاقة له بتباطؤ القضاء العادي، فحتى في الدول التي تمتاز بسرعة البت القضائي بالمنازعات، يبقى التحكيم من الحلول المفضلة لأطراف النزاع للسرعة والخصائص التي يتميّز بها”.
ويتابع المحكم الدولي أن “مهلة إصدار القرار التحكيمي المحلي في لبنان هي 6 أشهر كحدٍ اقصى، إن لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، أي أنه يمكن إصدار القرار خلال أيام حتى ولا مانع في ذلك، أما بالنسبة إلى التحكيم الدولي، فتكون المهلة بالاتفاق بين الأطراف والمحكم، مثلاً إصدار قرار تحكيم رياضي في الألعاب الأولمبية خلال 3 ساعات”، لافتاً إلى أن “معظم قوانين التحكيم في العالم لا تحدد مهلة، وذلك ما يُميّز التحكيم في القانون اللبناني”.
أما بالنسبة إلى التكاليف، فيقول، إنه “نظرياً، يعتبر التحكيم أقل كلفة من القضاء العادي لقصر مدة استمرار النزاع، وهي تختلف بين قضية وأخرى، إذ تُحدّد التكاليف غالباً قبل البدء بالتحكيم، ويقرر الأطراف مدى مصلحتهم سلفاً، وفي معظم الأحيان تدرج مراكز التحكيم عبر موقعها الالكتروني طريقة يمكن لأي جهة استعمالها لاحتساب التكاليف”.
ويرى الجوهري أن “ما يميز القانون اللبناني، هو أن قرارات التحكيم المحلية تقبل مبدئياً الاستئناف أمام القضاء العادي، مما يؤمن مصلحة أطراف النزاع من خلال التقاضي على درجتين، على عكس معظم دول العالم حيث الاتجاه الغالب هو في عدم قابلية التحكيم للاستئناف”، موضحاً أنه “في لبنان يقبل قرار التحكيم المحلي العادي الاستئناف، فيما يجب أن يذكر ذلك صراحة في التحكيم المطلق، أما التحكيم الدولي الصادر في لبنان فلا يقبل الاستئناف، إنما يمكن الطعن به عن طريق الابطال أمام محكمة الاستئناف، وفي الحالة الأخيرة لا يحق لقاضي الابطال الفصل مجدداً في أساس النزاع، فيبني قراره حصراً على أسباب الابطال المنصوص عليها في القانون”.
ويلفت الى أن “القرار التحكيمي يحتاج لاستصدار الصيغة التنفيذية لينفذ جبراً، وهذه الصيغة تصدر عن رئيس الغرفة الابتدائية في المنازعات المدنية والتجارية، وعن رئيس مجلس شورى الدولة في النزاعات الإدارية. ويمكن للطرف المتضرر حينها الطعن بقرار الصيغة التنفيذية أمام القضاء، في حال عدم استحصال حقه باستئناف القرار التحكيمي”.
وعما إذا كان التحكيم في لبنان يتأثر بالمناكفات السياسية من قِبل بعض الأطراف الحزبية والمذهبية وغيرها، يؤكد الجوهري، أن “التحكيم يمتاز بالحياد والاستقلال، كما أن المتضرر من قراره يمكنه الطعن كما أسلفنا بهذا القرار، وحينها يصوب القضاء أي خلل قد يكون موجوداً”، مشيراً إلى أن “الأهمية تبقى في الصياغة الصحيحة للاتفاق التحكيمي، وحسن اختيار المحكم، حراً كان أو مؤسسة، وذلك لضمان الحصول على قرار منصف من جهة وقابل للتنفيذ من جهة أخرى”.
وعن إمكانية لجوء المشاريع الإنمائية في لبنان أكانت مُمولة من قِبل خزينة الدولة أو من الخارج إلى التحكيم بدلاً من القضاء اللبناني بعد الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة جديدة، يُشير الجوهري إلى أن “كافة الشركات الأجنبية وحتى بعض المحلية منها، دأبت على اشتراط إدراج بند تحكيمي في العقود مع الدولة، لأسباب عدة باتت عالمية، أهمها الحياد، والسرعة في بت النزاع كما التخصص. وفي لبنان أصبح بإمكان سائر أشخاص القانون العام (الدولة والبلديات والمؤسسات العامة…) اللجوء إلى التحكيم شرط إجازة ذلك بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء، وعلى ألا يطاول التحكيم البت في صحة العقد الإداري، وإنما النزاعات الناشئة عن تفسير العقد وتنفيذه”، مشدداً على أن “تأمين بيئة حاضنة للتحكيم أضحى سبباً رئيسياً لتشجيع الاعمال والاستثمار”.
ويقول الجوهري، إن “هناك إقبالاً ملحوظاً واهتماماً من قِبل الطلاب والمحامين والعاملين العاميين بالندوات التثقيفية عن التحكيم التي نقوم بها، كما أننا نتفاعل إيجاباً مع كل دعوة إعلامية من شأنها نشر ثقافة القضاء الخاص في لبنان”.
اترك تعليقاً