لنتفق أولا أن الإرهاب ليس له دين ولا مذهب، وهذا ليس شعارا نرفعه لندرئ صفة الإرهاب عن الإسلام، بل هو حقيقة. فتفجيرات اوكلاهوما عام 1995، وعمليات الجيش الجمهوري الأيرلندي خلال ستينات القرن الماضي الى عام 2001 وهو صراع حول خلافات فذهبية بين كاثوليك وبروتستانت، ولم تسلم اليابان المسالمة من هجوم إرهابي قامت به جماعة “أوم شنريكيو” البوذية فهجوم غاز السارين في طوكيو عام مارس من عام 1995. والقائمة تطول. حيث صدرت دراسات قامت بها هيئات كثيرة بينت ان الأعمال الإرهابية التي ارتكبت خلال الفترة من عام 1993 إلى 2003، حيث تجاوزت 6 آلاف عملية، وأظهرت أن 6% منها فقط ارتكبت في العالم الإسلامي، والباقي في كل العالم.
هكذا نتبين أن الإرهاب “عقيدة فكرية” يؤمن بها ويتصرف بموجبها بعض الأشخاص، من مختلف الأديان والأعراق والمذاهب، تتلخص في انهم يظنون انه يحق لهم اتباع واتخاذ أي وسيلة او طريقة مهما كانت شائنة ودموية لتحقيق هدفهم او تقريبهم له أو إيصال وجهة نظرهم للناس، لا يهم عدد الضحايا الأبرياء الذين قد يسقطون أو حجم الضرر الذي يصيب الفرد والمجتمع. وقد يكون الإرهاب فرديا او مجموعات بل وحتى حكومات وسلطات.
ومن يقوم بعمل إرهابي ويتبنى “مذهب الإرهاب” لابد وانه يحمل قضية، ولديه وجهة نظر، قد تكون قضيته صحيحه، ولكن صحة القضية وصحة وجهة النظر يجب ان يصاحبها صحة في الأساليب، ولا يمكن ان نخدم قضية صحيحة بوسائل خاطئة كما تفعل جميع التنظيمات الإرهابية. فهذا تطبيق لمبدأ يخالف الإنسانية والأخلاق والإسلام والعقل والمنطق، وهو ما نسميه ” بالميكيافيلية “، أومبدأ ” الغاية تبرر الوسيلة”.
عادة، يكون للإرهاب حاضنة اجتماعية، تحمل معه نفس الهم، وتعاني مثله من أمور وحوادث وممارسات، وتدعمه بعدة سبل، ولأضرب مثلا:
كان للقاعدة قاعدة شعبية في العالم الإسلامي. وتعتبر المجتمعات الإسلامية هي العمق الاستراتيجي للقاعدة. حيث انها نشأت لنجدة إخواننا المسلمين الأفغان في صراعهم ضد الغزو الروسي الإلحادي، وتتبنى الصراع العربي الإسرائيلي وتواجه الهيمنة الأمريكية. مما وفر لها دعما ماديا وبشريا بل ورسميا في بداية نشأتها.
أما داعش فقد ظهرت خلال نقمة المجتمع السني في العراق من ممارسات الشيعة المتطرفين والحكومات الشيعية المتعاقبة، وسطوة المليشيات الشيعية وتنكيلهم بالسنة. وخيبة أملهم في التجربة الديموقراطية ثم تجربة الصحوات، ظهرت داعش كالفارس المخلص للسنة العرب من البطش الشيعي وجورهم الرسمي وشبه الرسمي. وعدم احترام انسانيتهم. وردا على شعار “يا لثارات الحسين” الذي أطلقته المليشيات الشيعية.
الحواضن الاجتماعية والعمق الاستراتيجي مهم جدا لأي دولة او حركة او تنظيم يعرف هذا أي عالم بالسياسة أو الأمور العسكرية… ولكن “الحمق” والغباء الاستراتيجي والعسكري للتنظيمات الإرهابية التي تتلفع بالمذهب السني او من يتدثر برداء السنة مثل القاعدة وداعش جعلهم يخاطرون بقطع أواصر العلاقة مع حواضنهم.
سأخصص حديثي حول داعش لأنها هي حديث الساعة…
نرى الأن كيف قامت داعش بهجوم سروج في تركيا، بينما كانت الدولة التركية تغض الطرف عنهم، فكثير من متطوعي داعش يأتون خلال تركيا، ومعظم العمليات المالية التي تدعم داعش تجري على الأراضي التركية. هذا الهجوم اجبر الحكومة التركية على إعلان الحرب على داعش (واستفادت منها أيضا في حربها على حزب “البي كي كي” التركي) وفتح قاعدة انجرليك للتحالف الدولي.
قامت داعش بتبني تفجير سوسة في تونس وقبله تفجير متحف باردوا، ففقدت حاضنتها الاجتماعية في المغرب العربي. وأعلنت عليها الحرب بشراسه. كما ان قيام داعش بعمليات إرهابية في السعودية والكويت ألب عليهم المجتمع الخليجي بل وزاد ترابط المجتمع بولاة الأمر.
هكذا فقدت داعش أي تعاطف وأي دعم من المجتمعات العربية. وكل من يثبت بل ويشك في مساعدته او تمويله لداعش أو تعاطفه معهم سينبذ مجتمعيا ويعاقب قانونيا ولن يكون له شفيع.
داعش يقول إن هدفه محاربة الظلم الواقع على السنة العرب في العراق وسوريا. ولكن ما هو هدف عمليات التفجير والقتل في أوربا. هل تخدم قضية السنة العرب؟ اجزم بان الجواب سيكون لا. إذن ما الهدف سوى تشويه سمعة ونظرة العالم للإسلام. وجعل المجتمعات الأوربية تقف خلف حكوماتها في ضرب داعش. كان يمكن إحراج هذه الحكومات لو لم تكن هذه هي تصرفات داعش.
كما ان نشر فيديوهات قتل وحرق وبيع الأسرى والصحفيين، ما نفعها؟ سؤال أسأله لقيادات داعش… هذا الغباء في التعامل مع حواضنهم الاجتماعية، غباء مطلق يجعلنا نتأكد من ان داعش مخترقة على أعلى مستوى. لأنه لا يعقل ان تدمر أي حركة عمقها الاستراتيجي، وتقطع أواصر علاقتها من المجتمعات التي قد تتفق معها في بعض الرؤى والأهداف.
في المقابل، نرى المليشيات الطائفية الشيعية لم تحاول ابدا عمل أي عملية او حادثة قد تؤثر على حواضنها الاجتماعية الشيعية، بل وتصب كل عملياتها ضد السنة العرب، وبدون ان تعلنها بصورة رسمية بل يصل الينا تسريبات إعلامية عن حرق وقتل وتهجير للسنة، لا يمكن اثباتها رسميا وما ثبت منها تحوله هذه المليشيات الى تصرفات فردية.
إرهابيو إيران يخفون جرائمهم، لا ينشرونها في فيديوهات مفاخرة بجرائمهم، لا يقومون بأي اعمال ضد حواضنهم الاجتماعية، مما مكن المتعاطف معهم دعمهم، ومكن لمن يؤمن بقضيتهم (وإن كانت خاطئة) مساعدتهم. ويكفي ان أحد قادة مليشيا بدر أصبح وزيرا في حكومة العراق دون ان يجرؤ أحد على الاعتراض.
لو كنت… (والحمد لله أنى لست ولن أكون) لو كنت من يقرر لداعش تكتيكاتها، لكانت خطتي في العمل كالتالي:
1) جعل الهدف الأساسي والمعلن هو محاربة مليشيات الظلم الصفوي.
2) الاتصال بكل القوى المحلية والعالمية واستحضار دعمهم للسنة في العراق وسوريا
3) فضح ممارسات المليشيات الإرهابية الصفوية في حق أبناء السنة في العراق وسوريا.
4) التبرؤ من كل العمليات الإرهابية في العالم خارج النطاق الجغرافي لداعش. بل ومساعدة حكومات العالم في القبض على الإرهابيين والتحذير من العمليات القادمة.
5) فتح المجال الإعلامي في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
6) الغاء كل الشعارات التي تستعدي العالم وتحيد عن الهدف الاستراتيجي.
ولكن ماذا نقول للحمق، قيل إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وأظن هذا القول ينطبق على قادة وأعضاء الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش.
وما يصدر عنهم من تصرفات في العالم ووسائل إعلامهم لا يمكن ان تفسر إلا على واحد من ثلاث: إما ان تكون هذه الجماعات مخترقة، او ان يكون قياداتها حمقاء على المستوى السياسي والديني أو ان تكون حمقاء ومخترقه.
وأخيرا… كنت اناقش أحدهم حول عدم قيام تنظيم داعش بأي عملية إرهابية داخل إيران، فرد عليّ أن داعش تقوم بكثير من العمليات ضد الشيعة في العراق وقتلت الكثير من قادة المليشيات الصفوية.
ردي عليه، إيران لا تهتم بالشيعة العرب، فهم بيادق تستغلهم في مصلحتها، لا يهمها ما يحدث لهم. ولهذا سابقة في الفكر الصهيوني صنو الفكر الصفوي، ويكفي القارئ الكريم البحث عن حادثة تفجير الباخرة “باتريا” في نوفمبر عام 1940 وقتلها لبعض اليهود لكسب التعاطف لقضيتهم الصهيونية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً