من هم صنّاع الدولة؟ وكيف يمكن التمييز بينهم وبين صنّاع الازمات؟ ومن يستحق هذه التسمات؟ وهل المتصدرين المشهد السياسي الليبي هذه الايام, صنّاع دولة ام صنّاع أزمات؟ لعله من المناسب لمعرفة الفروق بين هذه المصطلحات أن نذكر أهم الخصائص التي تميزها عن بعضهم البعض.
أولا: من هم صنّاع الأزمات؟
قبل التعرف على هؤلاء الصنّاع, لعله من المناسب الإشارة إلى أن صناعة الأزمات هي صناعة كغيرها من الصناعات الأخرى، لا يفهمها ويجيدها الكثيرون من المواطنين. فصنّاع الازمات أُناس على العكس تماما من صنّاع الدولة، وانهم أناس مثيرينً للتساؤل والجدل.
ويمكن حصر أهم ما يميزهم على الآخرين في الآتي:
- فن خلق الأزمات، بمعنى أنهم أُناس يرون في اختلاق الأزمات والتفنن فيها وجودا ذاتيا لهم, واستمرارية لمصالحهم وتقوية لنفوذهم.
- التأقلم مع الصراعات، بمعنى أنهم لا يستطيعون العيش إلا في ظل الصراعات والتوترات المتواصلة والمتثالية.
- تبني أفكار متضاربة، بمعنى أنهم يحملون أفكار ومقترحات متضاربة ومتناقضة في أغلب الأحيان ولا يروا غضاضة في ذلك.
- حل الأزمة بأزمة، بمعنى أنهم لا يجيدوا الخروج من أي أزمة إلا بصناعة أزمة أخرى أكبر منها وأكثر تعقيدا.
- أنانية المصالح والمكاسب، بمعنى هم اُناس تسيطر على عقولهم مصالحهم الضيقة، وهدفهم الوحيد في العملية السياسية هو جني المكاسب.
- إباحية أدوات الصراع، بمعنى أنهم يعتقدوا أن كل شيء مباح من أجل تحقيق أهدافهم.
- عدم الثقة في بعض، بمعنى أنهم في صراع دائما (علني وخفي) مع بعضهم البعض، مما ينتج عنه المزيد من الأزمات الجديدة والمعقدة.
- استخدام أساليب شعبوية، بمعنى ـنهم يجيدون النقد وإظهار العيوب، ويملكون مهارات عديدة وعالية في الغوغاء وتهييج البسطاء من الجماهير.
- تفقير المؤسسات، بمعنى أنهم يصنعون باحتراف فقرا وإفلاسا مؤسسيا في الأماكن التي يعملون بها، أو التي يملكون نفود فيها.
- فن الفساد، بمعنى أنهم لا يعتبرون أن الفساد مشكلة، بل هو جزء من الحل لبعض مشاكلهم، وأداة مهمة وضرورية وناجحة لتحقيق أهدافهم ومطمعهم.
ثانيا: من هم صنّاع الدولة؟
في مقابل صنّاع الأزمات هناك صنّاع الدولة، وهم سواء كانوا صنّاع القرار أو أعيان في المجتمع, أو ناشطات ونشطاء المجتمع المدني، هم من لهم رؤى مستقبلية وتحليلات إيجابية للأحداث الشائكة والمعقدة على الساحة السياسية، فقد يكونوا شخصيات سياسية، أو إدارية، أو نشطاء مدنيون، أو عسكريون، أو رجال دين، أو رجال أعمال، أو رؤساء تجمعات وأحزاب، أو شخصيات إعلامية ومهنية، أو غيرهم من القوى الحية والفاعلة في المجتمع. هؤلاء جميعا هم من يصنع الأحداث، ويجدوا الحلول المناسبة للتحديات، وبذلك يصنعوا المستقبل والتاريخ.
فالمؤرخون، في كل المجتمعات، دائما يستدلون على نجاح الأمم وفشلها بصنّاعها، وخصوصا الذين وجدوا خلال الأزمات والحروب التي تمر بها هذه الأمم، وهم الذين يسهموا في بناء دولة حديثة ومتحضّرة، وجعل شعوبهم تعيش في حرية وأمن وأمان واستقرار، ويتحقق ذلك بسعيهم الحثيث في بناء نظام سياسي يقوم على مبادئ العدل والتعددية واللامركزية والتداول السلمي على السلطة.
ويمكن وصفهم على أنهم:
- مصلحة المواطن، بمعنى أنهم منشغلون دائما بهموم المواطن واعتبار مصلحته من أهم مصالح الدولة.
- الاستقلالية والنزاهة، بمعنى أنهم يعملون دائما على أن يكونوا مستقيمين ونزيهين.
- القدرة على الإقناع، بمعنى أنهم يمتلكون القدرة على الإقناع وتوجيه أكبر عدد ممكن من المواطنين لرؤيتهم.
- مشاريع وبرامج، بمعنى أن لديهم مشاريع وبرامج واضحة ومحددة بخطط وتوقيت تنفيذها وجميعها تصب في مصلحة المواطنين.
- الرأي والرأي الآخر، بمعنى أنهم يُؤمنون ويقبلون بآراء الآخرين ويتحملون النقد ولا ينظروا لمعارضيهم على أنهم خصوم أو أعداء.
- مصالح الدولة وسيادتها، بمعنى أنهم يسخرون كل إمكانياتهم لحماية مصالح الدولة والحفاظ على أمنها وتقدمها وازدهارها، والمحافظة على سيادتها.
- رجال سياسة، بمعنى أنهم رجال السياسة الحقيقيون، الذين يتقنون فنونها، ويجيدون استخدام أدواتها، ويستطيعون توظيفها بنجاح لخدمة الصالح العام.
- مهارات القيادة، بمعنى أنهم يمتلكون المهارات اللازمة للقيادية القادرة على إدارة الدولة.
- شفافية العمل، بمعنى أنهم رجال يؤمنون بالوضوح والشفافية في كل شي، ولا يعدوا أنصارهم إلا بما يستطيعون القيام به.
- التغيير والأمل، بمعنى أنهم صُناع للأمل والتغيير الإيجابي والمستقبل الواعد.
الخلاصة
في اعتقادي المتواضع, ما ذكرته اعلاه يمكن اعتباره أهم ما يميز صنّاع الازمات من صنّاع الدولة. فاذا سلم القاري الكريم بذلك, فهل يمكن للمرء, ان ينظرة للمشهد السياسي الليبي هذه الايام, ويسأل: هل تفتقد بلادنا هذه الايام إلى وجود صنّاع للدولة؟ بمعني آخر, هل يمكن ان نقول ان جّل السيدات والسادة الذين يقودون المشهد السياسي هذه الايام, مع احترامنا الشديد لهم جميعا, هم في الحقيقة صناع للازمات؟ وبالتالي لا يستطيعوا, ولن يسمحون لأحد, بتحقيق الاستقرار وتأسيس دولة ديمقراطية تقوم علي نظام سياسي عادل وتعددي ومتوازن؟! وعلي هؤلاء السيدات والسادة الكرام في المشهد السياسي ان يدركوا بان الاغلبية العظمي من الازمات التي يعيشها شعبنا مند 2012 , هي ازمات مُفتعلة ومن فعل صنّاع الازمات!.
وعليه, فدعوتي لكل من هو في المشهد السياسي, هذه الايام, ان يعي خطورة الاوضاع وان يتخد موقف تاريخي, اما ان يكون من صناع الدولة الليبية الحديثة, وبالتالي سيكتب التاريخ اسمه بحروف من نور, واما ان يستمر في المشاركة مع صنّاع الازمات, والاصرار علي افشال قيام الدولة التي يحلم بها كل المواطنون البسطاء في هذا الوطن الجريح!.
أخيرا لا تنسوا, يا احباب، أن هذا مجرد رأي اعتقد أنه صواب،
فمن أتى برأي أحسن منه قبلناه،
ومن أتى برأي يختلف عنه احترمناه.
والله المســتعـان.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً