عندما اجتمع زعماء الصرب والكروات والبوسنة في دايتون بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلنتون؛ وفي الوقت الذي وجّه كلا الزعمين الصربي والكرواتي خطابهما بالشكر إلى الرئيس الأمريكي، توجه الزعيم البوسني علي عزت بيجوفيتش رحمه الله بخطابه إلى الشعب البوسني مثنياً على شجاعته، وفي ذات الوقت معتذراً بأن كل ما استطعنا تحقيقه في هذا الاتفاق هو ما كان ممكناً.
بيجوفتش يقر بأن هناك طرفاً آخر له مطالب، كما للآخرين مطالب وبالتالي فإن الاتفاق هو حصيلة مطالب المتنازعين الذين يرغبون في العيش معاً بسلام.
لذا واستشعاراً بخطورة المرحلة وإدراكاً لحجم المسؤولية الملقاة على عاتق كل مسؤول ليبي في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ ليبيا الحديث، وحيث أن زمام المبادرة الذي تملكون يزيد من ثقل هذه المسؤولية على كاهلكم؛ فإنني أتوجه إليكم بهذه الإشارات، فما يهم هنا ليس الحديث بصوت عال، ولا التفنن في صناعة الأزمات، وإنما فتح آفاق الحلول، للمحافظة على المكتسبات.
(1)
ما صدر عن الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا من أحكام لا يملك أحد أن يتجاوزها، إلا من خلال واحد من خيارات دستورية ثلاثة، سبق ذكرها ويمكن أن تشكل مخرجاً للأزمة، ولكن المتاح منها لا يملك مفاتيحه إلا الجسم الشرعي الوحيد الذي تعمل الدائرة الدستورية وفق تشريعاته.
(2)
عليكم المشاركة في الحوار بكل جدية وحسن نية بهدف التوصل إلى إتفاق ينهي الانقسام، والتفاوض من أجل تحسين هذه المسودة وتحقيق أكبر قدر من المكاسب التي ضحى من أجلها الشعب الليبي، والعمل على ضبط المسودة وتوضيح المبهم فيها. ولعل أهم مطلب يجب أن تتضمنه المسودة هو اشتراط موافقة ثلثي أعضاء مجلس الدولة لإقرار أي إجراء دستوري بما في ذلك الموافقة على عرض الدستور الدائم للاستفتاء.
(3)
حق التعديل الدستوري يملكه المؤتمر الوطني العام ولا ينبغي أن يتسوله، وهو حق مشروع ويملك إجراه من جانب واحد، وذلك بمجرد معرفة محتوى بنود الاتفاق الموقع بين الفرقاء.
بمجرد التوقيع على الاتفاق السياسي الليبي، الذي تشرف عليه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يقوم المؤتمر الوطني العام بالمصادقة عليه من خلال إجراء تعديل دستوري ثامن، من طرف واحد، يضع الاتفاق موضع التنفيذ وينشئ الأجسام المذكورة في الاتفاق السياسي الليبي بقوانين يصدرها على الفور.
الاتفاق ينهي الانقسام، والتعديل يقر الاتفاق ويعطيه صبغة الشرعية، وكلاهما يجمعان بين الاسترشاد بنتائج الانتخابات التي أجريت في يونيو 2014م، وبين احترام القضاء والمحافظة عليه، وعدم هدم السلطة الوحيدة المتبقية والتي ما زالت قائمة.
كل ذلك من أجل تحصين الاتفاق من الطعن مجدداً أمام القضاء، ثم يتم دعوة هذه الأجسام المذكورة في الاتفاق والتي صدر بإنشائها قانون لتسليم سلطاتها والبدء في مرحلة تطوي صفحة المرحلة الانتقالية وتفتح صفحة جديدة يطلق عليها “مرحلة التوافق” تمهيداً للمرحلة التي يحكمها الدستور الدائم.
(4)
المرحلة المتنازع عليها هي مرحلة الانقسام؛ التي بدأت بالجلسة الأولى التي عقدها أعضاء مجلس النواب في مدينة طبرق، وكانت بداية شِقٍّ من المرحلة نزعت عنه الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا أي صفة شرعية، وتنتهي هذه المرحلة بالمصادقة على الاتفاق السياسي الليبي.
صدرت في هذه المرحلة جملة من التشريعات، قوانين وقرارات وإجراءات، يجب التفاوض من أجل وضع أسس للتعامل معها، صوناً للتوافق والمصالحة، بما في ذلك إلغاء الملاحقة القانونية، لكون هذه التشريعات والعدم سواء، إذا ما نظرت مرة أخرى أمام المحكمة العليا.
نصيحتي للمؤتمر الوطني العام، إذا ما تعذر التوصل إلى اتفاق بشأن هذه التشريعات الصادرة من النواب المجتمعين في طبرق في تلك المرحلة، ألا يقف عندها، وأن يترك هذا الأمر للقضاء للبت فيه، فيما بعد توقيع الاتفاق السياسي الليبي.
(5)
باختصار يجب أن تكون جهود المؤتمر الوطني العام مبنية على خطورة المرحلة وأهمية التوافق وإنهاء الانقسام من خلال العمل بهذه الإستراتيجية:
“الترحب بتحفظ، والتفاوض بجدية لإزالة هذا التحفظ، وتحسين الاتفاق ما استطعتم، وتوضيح المبهم، والموافقة على الاتفاق وتوقعيه، والمبادر بإجراء تعديل دستوري ثامن ومن جانب واحد، وأصدر القوانين التي يتطلبها الاتفاق وتعديل الإعلان الدستوري، وترك مخالفة أحكام القضاء للقضاء”.
هذه رسائلي والله من وراء القصد.
حفظ الله ليبيا ولمَّ شمل أهلها.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
تصحيح الأخطاء الإملائية في أخر فقرة والمتعلقة بالإستراتيجية:
الترحيب بتحفظ، والتفاوض بجدية لإزالة هذا التحفظ، وتحسين الاتفاق ما استطعتم، وتوضيح المبهم، والموافقة على الاتفاق وتوقعيه، والمبادر بإجراء تعديل دستوري ثامن ومن جانب واحد، وأصدار القوانين التي يتطلبها الاتفاق والتعديل، وترك مخالفة أحكام القضاء للقضاء”.
خرف ياشعيب .. مريض على ميت متكى .. زى المؤتمر زيك انت