أنا لست من الإخوان…

أنا لست من الإخوان…

لا شك أن بناء مشروع الدولة وترسيخ هياكلها بقواعد وقيم يتفق عليها ويحترمها المجتمع، كان يجب أن يسبق العملية الحزبية والتنظيمية للعملية السياسية. ولكن حداثة التجربة ساهمت في سماح الإعلان الدستوري بتكوين الأحزاب الذي وصفه البعض بأنه سابق لأوانه، وهو بالفعل كذلك، لكنه اليوم يراد به باطل.

لقد كتب الشيخ عبدالله الجعيدي في تغريدتين له على صفحته في شبكة التواصل الإجتماعي يطالب فيهما جماعة الإخوان أن تفك نفسها وحزب العدالة أن يحل الحزب، ووصفهما أنهما حملاً ثقيلاً على الوطن.

لا أكتم سراً أن ذكرت أن النقاش حامي الوطيس داخل جماعة الإخوان في ليبيا في كل السياريوهات والوسائل الممكنة لتجاوز هذه الهجمة الظالمة الشرسة وغير المنصفة.

لكن قبل العودة إلى تغريدات الشيخ الجعيدي، نمر بمحطة مهمة قد تكون غائبة عن الكثيرون من أبناء شعبنا. لا بد من إدراك أنه كانت هناك محاولات لكسر الكتلة الحرجة التي تصدت سياسياً للمحاولات الانقلابية والتي بدأت في 7/7/2013م واستمرت بعد ذلك إلى أن قرر الانقلابيين تحويلها إلى صراع عسكري.

كتبت في يوليو 2013 مقال بعنوان (انقلاب 7/7) قلت فيه “واهمون أؤلئك الذين شاركون في التخطيط لانقلاب 7/7. واهم كل من شارك في غرف العمليات في الشرق والغرب في الداخل وفي الخارج من أجل إحداث تغيير مسلح في ليبيا. وأهم من سلح وتسلح ودرب وتدرب وتحصل على أحدث المعدات والأسلحة وتقنية التجسس على وسائل الاتصال. واهم من أعد العدة وعقد التحالفات مع أتباع النظام السابق، ليس بغرض المصالحة ولكن لاستمالتهم، واهم من استمال بعض القبائل واتصل مع الفن وبعض أهله ومع الرياضة وبعض أهلها ومول بسخاء الآلة الإعلامية التي تضل ولا تصلح”.

“…واهم كذلك من يظن أن ثورة 17 فبراير تستطيع أن تستمر بهذه الفوضى والظلم والإصرار عليها. واهم أؤلئك المتشنجون أصحاب مراكز القوة الذين يرفضون كل شيء لتبقى سطوتهم. لم نتقدم خطوة جادة واحدة وحقيقة نحو المصالحة.

واهم من يظن أن هذه مرحلة هي مرحلة مغالبة وليست مرحلة توافق. لا بد من التوافق مع الجميع. يستوى في ذلك من يطالب بالملكية أو الفدرالية أو لديه حقوق ضائعة مثل الأمازيغ والطوارق والتبو والمرأة والشباب وغيرهم. لا بد من الحوار والتوافق حتى مع أتباع النظام السابق ولا بد من تحقيق مصالحة حقيقة وجادة وفورية للخروج من عالم الانتقام والانتقام المضاد”. هذا ما كتبته ونشر منذ سنتين.

ولكن أصر الانقلابيون على مواجهة شعبهم بالحديد والنار والتآمر مع الخارج من أجل تصفية خصومهم السياسين ورميهم بكل نقيصة. لهذه الأسباب كانت الخصومة وكانت الحرب والدعاية السوداء وبدلاً من التصدي لها نجد من ساهم فيها، ببعض أفعاله التي حسبت على الإخوان، يطالب اليوم هذه الكتلة، والتي شكل الإخوان وحزب العدالة والبناء القلب النابض فيها، بالانسحاب، ويتهمها زوراً وبهتاناً أنها صارت حملاً ثقيلاً على الوطن.

اسمح لي أن تكون لي قراءة مغايرة لما كتبت. وهي أنك أردت في التغريدة الأولى، التي نصحت فيها جماعة الإخوان المسلمين بفك الجماعة وحل حزب العدالة والبناء، أن تفيد القارئ بأنك لست من الإخوان، وهذا من حقك، وحسناً فعلت، بينما أردت بالتغريدة الثانية وبطريقة ألطف أن تطالب  تنظيم أنصار الشريعة، الأقرب إلى نفسك، بحل أنفسهم دون أن تصفهم بأنهم أصبحوا حملاً ثقيلاً على الوطن.

الحمل الثقيل يا شيخنا هو الدعاية السوداء والحملة الشعواء التي شنت ضد الإخوان. لم يكن أبداً الإخوان، ولا الحزب الذي عُرف بأنه حزب الإخوان، حملاً ثقيلاً على الوطن، كما بالغت في التجني عليهم. سيعلم الشعب الليبي يوماً ما، أن الإخوان من أكثر أبناء هذا الوطن حباً للوطن، ولا همَّ لهم إلا كيفية العبور به إلى بر الأمان.

الدعاية السوداء سبق بها العقيد معمر القذافي ونظام حكمه، وذهب القذافي ونظام حكمه، واستغل الخصوم السياسيين الدعاية الجاهزة للنيل من جماعة الإخوان، وأعانتهم في ذلك خمسة وعشرون قناة مصرية، وقنوات عربية أخرى. وجاءت الظروف الإقليمية مناسبة لهؤلاء الخصوم.

ظلم القذافي الإخوان ظلماً كبيراً؛ رماهم بكل نقيصة، وزج بأبناء هذه الجماعة في غياهب السجون، وحكم على قادتها بالإعدام والسجن المؤبد، وهرب المئات من بطشه خارج البلاد. وسلط عليهم وسائل الإعلام واستأجر ثلة من الإعلاميين الذين ما زالوا حتى يومنا هذا يؤجرون أقلامهم للنيل من هذه الجماعة، بينما قصرت قيادة الإخوان في ليبيا، ولم تدافع عن  أبنائها، وتركتهم عرضة للهم والغم من جراء هذه الدعاية السوداء، وهذه التهم الظالمة التي كيلت لهم من كل مكان.

ليس عجزاً من الجماعة، أو من أبنائها عن الرد على الحملة، أو القيام بحملة مضادة، وإنما صداً عن المناكفات التي يغلب فيها الانتصار للتنظيم، أو الحزب، أو الفرد، لصالح معركة الوطن الكبرى، ووعيا بمرحلة التفلت التي تعقب كل حقبة كبت، كالتي عاشها وطننا الحبيب.

في الصيف الماضي عقب الاعتداء على قناة العاصمة، والتي تولت كبر التهجم على الإخوان، قمت بزيارة للقناة كبادرة حسن نية، ووجدت هناك السيد عبدالمجيد المليقطه، وقد ألقى كلمة تناولتها وسائل الإعلام المقربة من تحالف القوى الوطنية، تهجم فيها بشرسة على الإخوان طيلة أربعين دقيقة.

قلت للسيد المليقطه أنا أعلم أنك لم تكن تقصد الإخوان في كلامك ولكنك تقصد تيار الإسلام السياسي ككل، فكانت إجابته بالطبع “نضربكم بصوت واحد جاهز ومبرمج” في إشارة إلى الصورة الذهنية السلبية التي خلفها القذافي في ذاكرة الشعب الليبي.

لا أكتمك سراً بل أكون معك في غاية الصراحة، ولن أجاملك وأنت تعلم تقديري لشخصكم الكريم، بالرغم من اختلافي معك في العديد من المواقف وسأسرد عليك بعضها في هذه العجالة؛

إن كثير من الانتقادات التي توجه إلى جماعة الإخوان المسلمين مبعثها التصرفات غير المسؤولة التي يقوم بها بعض من ينتمون إلى التيار الإسلامي ويحسبون على جماعة الإخوان المسلمين. لقد حُسب على الإخوان اولئك الغلاظ الشداد الذين سيطروا على المنابر وأساؤوا إلى الإسلام وإلى سماحته. خطب مملة ومعاملة جافة وموات للمساجد ودورها وعداء لكل مخالف.

مها اختلفت مع الدكتور محمود جبريل فلن أصفه بأنه من أعداء الله، ومهما فعلت دولة الإمارات فلن أصفها بأنها اسرائيل العرب كما وصفتهما في تغريدتك. شتان بين زيارتي لقناة العاصمة وزيارتك لقناة الدولية بعد تدميرها، وأنت تعلم حجم العداء الذي صدر من هاتين القناتين لجماعة الإخوان. وهذا يوضح الفرق الذي لم يعلمه الشعب الليبي بين الإخوان وغير الإخوان. الإخوان لديهم مبادئ وأسس في التعامل مع خصومهم، بينما يتجاوز بعض أبناء التيار الإسلامي الآخر، هذه الحدود انطلاقاً من فهمهم الخاص لمبدأ الولاء والبراء.

لم تكن شيخنا الفاضل الأول الذي يضيق صدراً بنعته أنه من الإخوان فينبري لنفي الانتماء إليهم، بل سبقك بها آخرون على صفحات التواصل الاجتماعي، وعلى شاشات التلفاز وعلى المنصات يصيحون بأعلى صوت “لا تحالف لا إخوان” يقصدون التبرؤ من الثانية. لا يعلم هؤلاء أنهم قدموا  للإخوان خدمة، ليعلم الناس مع مرور الأيام، رغم قسوتها، من هم الإخوان ومن هم الآخرون.

لقد كنت، وما زلت، أعتقد، نتيجة التربية التي عرفت في الإخوان، والمناخ الذي عشته في كل المواقع، وعبر تاريخ الجماعة الطويل، أن “مُرَكَّب الإخوان” مركب معقد يصعب فهمه على من اعتاد النظر من زاوية، واحدة، ومن تملكته القياسات على نماذج يدور فيها كل شيء حول الفرد، مرجعية كان، أو زعيماً، أو رئيساً، ويُقْصَرُ النظر  فيها على الآني العابر، لكن الشعوب علمتنا أنها أذكى ممن يفترض أنهم نخبها بكثير.

إن قراءة تاريخنا القريب والبعيد تثبت أن الناس متى امتلكوا إرادتهم حرة طليقة، من قيود التضييق، سالمة من غيوم التشويش، فضلوا نقاء الإخوان، ووضوح خطهم، وانسجام طرحهم، وقرب نهجهم من فطرة الإنسان، ورسالة الإسلام، ولا تزيد محن الأمة القاسية اليوم على أن تميز بين من يريد الدولة لنفسه، ومن يريد نفسه للدولة، والأمة.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 3

  • صالح عبد المحسن بن خيال

    باختصار كل ماكتبه الأستاذ العرادي كلام صحيح لقد تحمل الإخوان عبئ كثير من كوارث الإسلاميين وغلطتهم الوحيدة هي عدم المفاصلة والتمايز عنهم وهم مانفكوا يتبرؤون منهم

  • Almabrok Alhraish

    لسان حال العرادي يقول: “لابد من التمايز بين التيارات الإسلامية ليعرف الشعب الليبي المفسد من المصلح ..”

  • هارون الشتيوي

    كل التّطلُّعات التي ينتظرها المتفائلين لبناء ليبيا الحديثة فانها واهية ومبنية على تشخيص خاطيء يتجاهل الواقع ويتجاهل حقيقة هذا الشعب المغيّب ؛؛؛
    ——–
    الليبيين بعد أن فقدوا سلطة الظمير التي كانت تقودهم في عهد الملك إدريس وآبان عهد القذافي قد لا يكون أمامهم خيار الآن إلا سلطة العصاة الغليظة ومجبراً أخاك لا بطل؛؛؛
    ———–
    وكلنا نعلم كيف كانت سلطة الظمير تقود الليبيين عندما كان الليبي يخاف من شاعر يقول في حقه بيت شعر، وكان صاحب متجر الذهب يضع عصاة أمام محله كعلامة دالة على قفله ليذهب إلي المسجد، وكان الليبي عندما يسافر من ولاية طرابس إلى ولاية برقة أو العكس كان يحاول أن لا يُعرّف بنفسه على أنه ضيف من إحراج كرم الضيافة، وكلنا نعلم دور ألقبيلة في الأمن الاجتماعي ورد المظالم لأصحابها، وكلنا نعلم دور شيخ القبيلة وكلمته في القبيلة؛؛؛

    ———– ليبيا تعاني ——–؛؛؛

    الليبيين ألآن بصدد أن يرفعوا شعار (أن نعود للقيود) بعد هذه المعاناة مع الحرية الحمراء وبعد أن أصبح الحسم في الحالة الليبية على طريقة القطيع والبقاء للأقوى والاصلح ؛؛؛
    ——–
    = فلنكن واقعيين ؛؛؛
    ——–
    هل مازال هناك مساحة للعقل والحكمة للنظر من خلال الأمر الواقع وأن يقر الليبيين بالمعادلة التي تفرض نفسها في أطراف الصراع وأنه شاء من شاء أو أباء من أباء أن هناك شركاء في ملكية الوطن لا يمكن تجاهلهم؛؛؛
    ———
    منهم من هم محسوبين على النظام السابق حتى وان خرجوا من السلطة فلن يخرجوا من الشراكة في الوطن وأنهم الآن يدافعون من أجل البقاء والعودة الى أرضهم ولن تهنى البلاد بالأمن من ورائهم حتى وان لزم الأمر للتحالف مع أعدائهم ومع من تقاطعت معهم المصالح لافساد الوطن وتقسيمه تحث شعار عليَّ وعلى أعدائي يا رب، ولهم كل العذر في ذلك؛؛؛
    ———
    وان من الشركاء أيضا من هم محسوبين على الجماعات بإسم الدين وأنهم طرف قوي في معادلة الصراع، يدافعون من أجل البقاء،ومحسوم عندهم سلفاً أن مصيرهم العودة للسجون والتهجير إذا لم ينتصروا وانتصرت عليهم خصومهم؛؛؛
    ——–
    وان من الشركاء أيضا من هم محسوبين على التيار اللبرالي والعلماني ولهم قوة مؤثرة على أرض الواقع تحضى بتأيد فعّال من قبل المجتمع الدولي وخاصة عندما تكون في مواجهة الجماعات الدينية، ويدركون تماما بأنهم وهذه الجماعات نقيضان لا يجتمعان ؛؛؛
    ———
    هل هناك مجال للسعي الجاد من أصحاب العقل والحكمة لطرح فكرة ان الملكية التاريخية للوطن هي ملكية الشعوب والقبائل وان ملكية الملوك والزعماء تسقط بسقوط عرشها مثل ما سقطت ملكية الدين بسقوط دولة الخلافة عندما اختارت الشعوب ذلك ورفضت أن تحكمهم دولة بإسم الدين؛؛؛
    ———
    هل حان الأوان ان تدرك الجماعات المحسوبة على الدين ، ان دولة الدين لا تعود بالعنف والتفجير والجهاد، وأن الجهاد في الاسلام لايأتي لاقامة دولة بدون عنوان، ولكن يأتي لحماية دولة واضحة المعالم، جاءت بعد مراحل سلميّة لتكوينَها، والتي تبدا بوجود جماعة غايتها أن تعبد الله وحده، تسعى لتغْيير أنفسها قبل سعْيَها لتغْيير الواقع بمخالفة السننن، معتبرة في ذلك (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)؛؛؛
    ———-
    هل حان الآوان أن تدرك الجماعات المحسوبة على الدين ان قضية الاسلام الآن هي قضية شعوب رافضة لحكم الدين وليست قضية إزالة من يحكم هذه الشعوب، وما هذه الانظمة والحكومات الموجودة الآن إلّا تعبير عن إرادة شعوبها، وما هيَ وشعوبها إلا وجهان لعملة واحدة؛؛؛
    ——–
    هل حان الأوان أن ندرك بأن الاسلام لا يقوم الا على حقيقة الايمان الذى يورث الاشفاق ويجمع بين ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ؛ لَاأَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) وبين قولة اللهم أهدي قومي فانهم لا يعلمون والذي يظهر فيه صورة الذى قال في حق قومه عندما قتلوه وهو ناصحا لهم:-(يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)
    ——–
    هذه هى نظرتنا والتي نرفض من خلالها ما يحدث اليوم من خلط وتربص وتفجير وتدمير فى هذه المجتمعات الامنة ولاسيما في ما يحدث مع بنى اسرائيل ومع الأمريكان باسم الجهاد في الاسلام والاسلام برىء وغير مسؤول عن ذلك كله؛؛؛

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً