هكذا مارسوا السياسة!!

هكذا مارسوا السياسة!!

(1)

في السابع من شهر يوليو 2012م وفي خضم العرس الانتخابي، الذي جاء بعد أكثر من ستة عقود من الجفاف السياسي، طلبت مني قناة الميادين اللبنانية إجراء مقابلة للتعليق على هذا الحدث التاريخي.

كانت الفرحة تملأ وجوه الأطفال الذين أصر آباؤهم على اصطحابهم إلى مركز اقتراع المدرسة النموذجية بزاوية الدهماني بطرابلس، مكان إجراء المقابلة التلفزيونية.

كان يصاحبني إلى مكان المقابلة الشاب أحمد الغرياني، الذي كان يعمل مع قناة الميادين، حين وقفت علينا سيارة أجرة وأطل سائقها برأسه من النافذة، يتحدث معنا ويوجهنا لمن يجب أن نعطي صوتنا في خرق واضح يُنبئ عن عملٍ منظم لتوجيه الناخبين.

عندما دخلت إلى فِناء المدرسة كانت تجلس على المدخل إحدى المعلمات تمارس نفس المخالفة، وتوجه الناخبين ليصوتوا لجهة معينة، وكررت في حضوري نفس التوجيه مراراً، إلى أن نهيتها عن هذا الفعل الذي يمثل خرقاً لقوانين الانتخابات، ومخالفة لما تم تدريبها عليه.

أحد رجال الأمن الخارجي في النظام السابق اعترف بأن جهة سياسية معينة استخدم النقابات واستخدمت أكثر من 12 ألفا شخصاً، جلهم من عناصر جهازي الأمن؛ الداخلي، والخارجي، على مستوى القطر، ليقوموا بأعمال تؤثر في نزاهة الانتخابات، ويوجد بعضهم متخفين في اللجان الفرعية داخل مراكز الاقتراع تحت مسميات متعددة، ليقوموا بمهام محددة لهم.

لقد قام هذا التيار السياسي بالاستعانة بالخبرات المصرية والأردنية في التزوير، وقاموا بهذا العمل القذر في كل الانتخابات. بل قاموا في انتخابات مجلس النواب المنحل بتزوير مركز بالكامل، هو مركز اقتراع أبي ذر الغفاري بحي الأندلس بمدينة طرابلس، تأييداً لأحد المترشحين.

(2)

لم يكتفوا بذلك بل قاموا بالتلاعب والتحكم في إرادة ممثلي الشعب بطرق عدة؛ قاموا بشراء البعض بالمال وبالجاه والمناصب لأقاربهم. أقاموا الليالي الحمراء من أجل صيد البعض الآخر في مواقف مخلة بالشرف، وقاموا بتصويرها كمستمسك يبتزونهم به عند الحاجة.

لقد كان في المؤتمر محام شاب متميز حاولوا أن يكون أحد ضحاياهم. لما عرفوا أنه سيكون لهذا الشاب شأن في أعمال المؤتمر، قاموا بنصب كمين له للإيقاع به ليكون ألعوبة بأيديهم. اكتُشف أمرهم والحمد لله على ذلك؛ فالمعصية تضر بأصحابها ودواؤها التوبة، لكن خيانة الوطن والأمانة جرم كبير، وضرر هذا الجرم متعد إلى المجتمع بأكمله.

نصبوا هذه الكمائن أيضاً خارج ليبيا، من خلال غرف عمليات يقودها رجال أعمال فَسَدَةٌ، فتحوا لهم غرف استقبال كبار الزوار، وسخروا لهم السيارات الفارهة بسائقيها، منحوهم أموالاً طائلةً لغرض التسوق، فكانوا يرجعون بحقائب مليئة بأشهر الماركات العالمية.

ذكر لي أحد الصحفيين أن كل من كان قابلا للإيجار أو الاستعباد، فإنهم يصطادونه بعد ما يطلعون على احتياجاته ويوفرونها له، أنفقت مبالغ ضخمة من أجل القيام بهذه الأعمال القذرة.

ذُكرت لي على سبيل المثال مبالغ كبيرة استلمها عضوان بالمؤتمر الوطني العام من أجل أن يظهرا على إحدى القنوات ويمارسا مهنة التشويه.

رجل الأعمال هذا كان يحثهم على رسائل بعينها ليتم تناولها في لقاءات معلومة ومشهورة، من أجل تزييف وعي شعبهم، ومن أجل تمرير أجندة الشيطان الذي يتبجحون جهاراً نهاراً بأنهم أولياؤه.

كل ذلك من أجل أن يتحول نواب الشعب إلى آلة مملوكة لهؤلاء الفسدة؛ يصوتون كما يشاؤون ويظهرون على قنواتهم للسب والقذف وتزييف وعي الشعب الذي انتخبهم.

(3)

هكذا مارسوا السياسة بل أسوأ من هذا، هذا غيض من فيض.

السياسة مهنة وهذه المهنة مثلها مثل باقي المهن، إما أن تمارس بشرف وإما أن تمارس بعهر.

السياسة مسؤولية جسيمة وهي فن إدارة الصراع، وفن إدارة شؤون الدولة، عبر طرق وعرة بها شعاب متعددة وعوائق من الصخور والجبال. السياسي النبيل هو الذي يستطيع أن يقود السفينة بشرف وذكاء ونبل، وسط هذا الخضم للوصول إلى الهدف النبيل.

ما أنا بالخِبِّ ولا الخِب يخدعني، والمسلم كيس فطن؛ فعالم السياسة اليوم يحتاج أن يتقدم الدهاة لهذه المهمة بشرط إتقانها، وإتقان السياسة الشرعية وفقه المصالح وفقه الأولويات، ومعرفة كل أساليب الخداع حتى يتم تفاديها.

من يتقدم لعالم السياسة لابد أن يتفقه في كيفية تحقيق مصالح الغير، دونما إضرار ببلده وشعبه. لا بد من التفقه في عالم المنطقة الرمادية، فالسياسة ليست لونان كما يمارسها البعض.

السياسة مرجعيتها القانون، ولكي لا يعارض القانون شرع الله، لابد من توعية المجتمع للمطالبة بشرع الله منهجاً للحياة. لابد من توعية هذا الشعب حتى نحول دون تزييف وعيه من قبل هؤلاء الفسدة. المجتمع هو المتضرر الأول من مكر هؤلاء، وهو وحده من يحسن المطالبة بتعديل القوانين، وتقديم مشاريع قوانين جديدة، وفقاً للشريعة التي يؤمن بها.

(4)

هكذا مارسوا السياسية أيها الشعب الليبي الكريم. لقد تستروا بحملة شعواء شرسة، عاشوا كالكلاب المسعورة يهاجمون خصومهم السياسيين بشتى الوسائل. قاموا ببث هذه السموم واتخذوها ستاراً لعهرهم.

كانوا يرمون خصومهم بمصطلحات رددوها على قنواتهم حتى صدقها كثيرون؛ فقالوا: أخونة الدولة، واتهموا خصومهم بالسيطرة على مفاصل الدولة، لكنهم في الحقيقة هم من تمكن من مفاصل الدولة، وسرق المليارات.

سرقوا قوت هذا الشعب المسكين، وزوروا  إرادته وقاموا بالتحكم ببعض ممثليه. لقد كان صراعاً سياسياً مارسه طرف بشرف، بينما مارسه طرف آخر بمكر وكيد وبغي. لكن الله رد كيدهم ومكرهم وبغيهم عليهم.

أشهروا سيوفهم وخانوا شركائهم كما خانوا رفقاءهم من قبل. فقدت البلاد شباب في عمر الزهور من الطرفين، لكنهم سيبوؤون بإثم كل هذه النفوس التي أزهقت وهذه الدماء التي نزفت.

(5)

قد يسأل سائل ولما هذا الحديث الآن؟ يدور حديث هذه الأيام عن انتخابات جديدة، وبالرغم من صعوبة هذه الخطوة، إلا أنها غير مستحيلة، وتتطلب جملة من الإجراءات.

لا بد من إعادة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات، ولابد من تأسيس وتدريب مؤسسات المجتمع المدني لمراقبة الانتخابات، وتدريبها على كيفية رصد مثل هذه الخروقات التي تحدثنا عنها، وغيرها، وكيفية تقديم الطعون. كذلك لابد من تدريب المترشحين قبل وبعد فوزهم، على كيفية مقاومة هذه الوسائل القذرة التي يمارسها من باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

التعليقات: 1

  • نمار الترهوني

    للاسف نفس المدرسة التي عشنا بها اربعون سنة وهي التدجيل عن الشعب بكلمات التخوين للطرف الاخر بس هل يوجد لدينا نظام يمككن مراقبته واكتشاف من هو المفسد ومن هو المصلح فانا اقول لا يوجد اكيد والاكيد ان الطرفين يعلمون دلك ويعارضون وجود النظام حتى يستطيعو تضليل هدا الشعب المسكين ليكون تابعا لاحد الاطراف لان الحقيقة تقول ان النظام هو من يصنع الاشخاص العظماء وهم يقولون ان الاشخاص هي من تصنع النظام وهدا هو عصر الجاهلية وليس عصر العلم والتقنية

التعليقات مغلقة.

التعليقات لا تعبر عن رأي موقع عين ليبيا، إنما تعبر عن رأي أصحابها.

اترك تعليقاً