ملاحظات قانونية وسياسية على أفكار بعثة الأمم المتحدة للدعم بليبيا

ملاحظات قانونية وسياسية على أفكار بعثة الأمم المتحدة للدعم بليبيا

لا شك أن الأفكار التي تقدمت بها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تعد تطوراً إيجابياً مهماً، لكنه مشوب ببعض التضارب بين النسخة العربية والنسخة الإنجليزية ويثير بعض التساؤلات وجب استيضاحها.

لابد من التأكيد، بداية، أن أي وطني غيور على بلده، لا بد وأنه مهمومٌ وعاكفٌ على التفكير في إيجاد حل ومخرج لهذه الأزمة؛ يوقف نزيف الدم، وينهي الانقسام السياسي والاجتماعي بأي سبيل. وبالتالي لا يهم هذا الباحث تفاصيل هذه السبيل وليس حريصاً على جسم أو شخص بعينهن ولا مصراً  على وثقية دستورية بعينها، طالما أن هذا المخرج بني على أسس دستورية سليمة غير قابلة للطعن.

ولا بد أيضاً من التأكيد على أن التوافق ضروري وكفيل بالوصول إلى اتفاق توقّع عليه الأطراف، لكنه لا يصلح ولا يستطيع أن ينشئ وثيقة دستورية جديدة ولا حتى تعديلاً للإعلان الدستوري إلا وفق هذا الإعلان ذاته.

إذاً طالما أن الإعلان الدستوري قائم وأن حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا يجب أن يحترم فإنه لا سبيل إلى احترام انتخابات أنجبت جسما صار منعدماً بهذا الحكم.

السبيل الوحيد هو التوافق على جسم جديد أو خارطة جديدة وإصدار إعلان دستوري جديد أو تعديل يتفق عليه، ثم تصدره؛ كما هو دون أي تعديل أو تغيير، الجهة الدستورية القائمة بنص حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.

أقول ذلك ليس تمترساً ولا تمسكاً بجسم أرى أنه قد آن الآون ليختفي، ولكن حفاظاً على المسار السياسي وعدم تعريضه للطعن مستقبلاً، طالما أن الإعلان الدستوري قائم ولم تسقطه قوة سيطرت على كامل تراب البلاد.

هذا من الجهة الدستورية، أما من الجهة الواقعية فلا المؤتمر الوطني العام يمثل كل الليبيين ولا مجلس النواب كذلك، فالشرعية الواقعية منقسمة بين الطرفين. هذان الطرفان هما من يتوافق على الحل ولكن طرفاً واحداً يملك الشرعية الدستورية القانونية لإصدار ما يتم الاتفاق عليه.

بعد هذه المقدمة يمكن أن نتحدث عن صلب الأفكار الواردة في بيان بعثة الأمم المتحدة و نقدم بعض الملاحظات عليها:

1- حكومة الوفاق يرأسها رئيس المجلس الرئاسي. إن كان الأمر كذلك؛ فإننا نقع في نفس الإشكال السابق وهو قيام رئيس الحكومة بدور الرئيس ودور رئيس الحكومة، وهذا إشكال كبير في ظل الواقع الذي يتطلب أن يتفرغ رئيس الحكومة لمعالجة كثير من الأمور المستعجلة، المتعلقة؛ ببسط الأمن وتحقيق السلم الأهلي، وترسيخ اتفاق وقف إطلاق النار، والتصدي للإرهاب، وإعمار المدن ومعالجة مشاكل النازحين والمهجّرين واللاجئين، وتحريك عجلة الاقتصاد.

2- في النسخة العربية تأتي صيغة “مجلس للنواب” وهذا يعني مجلساً جديداً للنواب؛ بينما تنص النسخة الإنجليزية على أن مجلس النواب يكون ممثلا لكل الليبيين، وهو ما يفهم منه أن يلتحق المقاطعون بمجلس النواب الحالي.

وبالرغم من استحضار اعتراف المجتمع الدولي بهذا الجسم إلا أن الإشكال الذي سيطرح هنا على المستوى الليبي؛ هو كيف نصبغ على هذا الجسم الشرعية الدستورية استناداً إلى حكم الدائرة الدستورية؟

3- مجلس أعلى للدولة وهو جسم جديد؛ الغرض من من إضافة هذا الجسم هو إرضاء طرف وليس حلاً للأزمة، وسيربك المشهد أكثر بزيادة جسم جديد، لصعوبة استيعاب دور كل جسم وتحديد صلاحيات الأجسام المختلفة والعلاقة بينها.

4- هيئة صياغة الدستور وفي اعتقادي أنه لا يجب أن تكون هي ذاتها الهيئة السابقة؛ فهي لم تعد دستورية وأعمالها قابلة للطعن. وأن هذه الهيئة يجب أن يعاد تشكيلها وفتح نافذة لكل الليبيين باختلاف مشاربهم للانخراط فيها حتى يرسم مستقبل ليبيا بيد كل الليبيين من خلال وثيقة دستورية دائمه تعبر عنهم جميعاً ويرتضونها.

5- لا تعليق على مجلس الأمن القومي فهو من المجالس المهمة والتي يجب أن تكون ضماناً لعدم سيطرة أي طرف على المشهد الأمني حتى يتم بناء الأجهزة بطريقة وطنية إحترافية بحتة.

6- لا ينبغي أن يكون هناك مجلساً للبلديات إلا إذا تم التخلي عن وزارة الحكم المحلي، وهو ما سيضعف الحكومة. والأفضل الإسراع بتشكيل مجالس المحافظات ووضع نظام لا مركزي يمنح هذه المحافظات سلطات واسعة. ويعين المحافظين رئيس الدولة لضمان عدم استقلالهم في السياسات العامة للدولة، وتنتخب البلديات من سكان البلدية نفسها كما هو معمول به الآن.

يجب أن نوجه التحية لكل من شارك في صياغة هذه الأفكار، وهو بالفعل اختراق مهم، لكنه سيضعنا أمام الأسئلة الكبرى، التي لا يمكن تجاوزها. أهم هذه الأسئلة من سيصدر ما تم التوافق عليه.

التوافق غاية يمكن الوصول إليها عبر صياغة هذا المشروع، والتوقيع عليه، وصياغة المشاريع اللازمة لوضعه موضع التطبيق، ولكن لا يمكن إصدار هذه المشاريع إلا بالوسائل الدستورية المؤسسة على قاعدة الإعلان الدستوري واحترام حكم المؤسسة القضائية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

اترك تعليقاً